الأحد، 8 ديسمبر 2013

أفق المستقبل: إيصال الكهرباء بفاعلية قدرها 100% !


دائماً ما تعاني النظم و التطبيقات الالكترونية من مشكلة المردود! حيث يعتبر أنه لا يمكن في أي عملية كهربائية أو الكترونية (يمكن تعميم هذا الموضوع على مختلف مجالات العمليات الفيزيائية و الكيميائية) بمردود مثالي، أي 100%.

و لعل مشكلة التوصيل الكهربائي، أو النقل الكهربائي Electrical Conductivity واحدة من أبرز هذه المشاكل، حيث يتم فقدان مقدار كبير من الطاقة الكهربائية من محطات توليدها، إلى أماكن استهلاكها، و الحلول الحالية لمثل هذه المشاكل باهظة الثمن و مكلفة، و تتلخص برفع ناقلية أسلاك وخطوط النقل لأعلى درجة ممكنة.

و مع انطلاقة ثورة النانو الحديثة، و ما تبعها من قفزات حديثة في العلم و التقنية، بدأ العمل على إيجاد حلول للمشاكل التقنية بدءاً من المستويات الذرية و الجزيئية، بدلاً من التعامل مع المواد بأبعادها المرئية.

و في بحث علمي مشترك بين باحثين تابعين لوكالة الطاقة الأميريكية و جامعة ستانفورد، أعلن الفريق البحثي عن إمكانية طبقة ذرية واحدة من القصدير المعالج لتصل كفاءة التوصيل الكهربائي عبرها إلى 100%.

المادة المستحدثة، و التي أطلق عليها اسم "stanene" و هي ناتجة عن دمج اسمي القصدير "Stannum" و الغرافين "Graphene" يتم التحكم بها من نظام حاسوبي، يقوم بتعديل درجة الحرارة المحيطة بعملية النقل بشكل أساسي.

الفكرة الأساسية المتعلقة بهذا الاكتشاف الكبير، هو التطور الحاصل في العقود الماضية لتطوير نوع جديد من المواد يعرف بـ "العوازل الطبوغرافية" و التي تقوم بتوصيل الكهرباء عبر حوافها و سطحها الخارجي، وليس ضمنها، و تشير الدراسات النظرية إلى أنه عندما تكون سماكة هذه العوازل تعادل طبقة ذرية واحدة، فإن كفاءة النقل ستصل إلى 100%.

و خلال السنوات السابقة، تم تجربة العديد من المواد لتشكيل العازل الطبوغرافي الأمثل، وصولاً للنتيجة التي توصل إليها الفريق البحثي في جامعة ستانفورد حول استخدام القصدير المعالج مع الغرافين.

حتى الآن، فإن هذه المادة لم تثبت قدرتها بشكل حاسم على تحسين فاعلية نقل الكهرباء بنسبة 100%، إلا أن الباحثين يتوقعوا أن تنجح هذه المادة في تحقيق الوظيفة المطلوبة منها، و هي تحقيق كفاءة نقل مثالية للطاقة الكهربائية.
أكمل القراءة Résuméabuiyad

الاثنين، 25 نوفمبر 2013

كيف سيكون العالم بعد 100 عام؟

كثرت الأنباء التي انتشرت على وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة حول نهاية قريبة للعالم ولكن هناك من يقول عكس ذلك وينظر إلى المستقبل بتفاؤل كبير ويقولون بأن العالم سيشهد عصراً ذهبياً من التطور التكنولوجي. تعالوا معاً لنحاول أن نتخيل كيف ستكون الحياة على الأرض في عام 2112 بعيون أحفادنا

تكنولوجيا النانو الكادحة في أجسام خالدة

إذاً تعالوا لنفترض بأنني إنسان أعيش في القرن الثاني والعشرين؟ وأنا عمري أكثر من 100 عام. نعم..نعم لأني ولدت في الوقت الذي تقرؤون فيه هذه السطور ومازلت على قيد الحياة حتى الآن! وأتمتع بحيوية ولا أنتظر الموت لأن البشرية اجتازت عتبة الخلود منذ زمن طويل. وهذا ليس عجباً ففي عام 2006 صرح البروفسور ريتشارد ميللر من جامعة ميتشغان بأنه تمكن مع زملائه الحصول على نتائج مخبريه في زيادة عمر الحيوانات الثديية بنسبة 40 بالمئة. وبالطبع تمكن العلماء لاحقاً من استخدام هذه التكنولوجيا وتطبيقها على الناس، وفي عام 2050 أصبح البالغين من العمر مئة عام يشعرون بصحة وكأنهم في عمر الستين، وفي نهاية القرن الحادي والعشرين لم تعد البشرية تعرف للموت معنى ولم أعد أشعر بالمرض وأصبح السرطان بالنسبة لي في القرن الثاني والعشرين كالطاعون والكوليرا.
إذاً تمكن الطب من علاج أي مرض والسر يكمن في أجهزة النانو المتطورة الدقيقة التي تعيش في نظام الدورة الدموية وتعمل على تنظيف الجسم. تتحرك هذه الأجهزة في جميع أعضاء جسم الإنسان وتقوم تلقائياً من تصحيح أي خلل أو عيب أو نقص، فعلى سبيل المثال تعمل الأجهزة على تخفيض نسبة الكولسترول والقضاء على الخلايا السرطانية والميكروبات الضارة. على كل حال كل شيء يحدث كما تصوره الكاتب الانكليزي الخيالي أرتور كلارك. فإذا تعرضت إلى رضوض خطيرة في العمود الفقري مثلاً أو إلى فقدان الأصابع أو اليد أو القدم فليس هناك أي مشكلة لأن العلاج يأتي فورياً عن طريق تناول ما يسمى "بحبة إعادة التكوين" التي تعيد بعد فترة وجيزة الأعضاء المفقودة إلى طبيعتها من جديد. هذا ما تنبأت به البروفسور إيلين هيبر كاتس من معهد ويستر من فيلادلفيا في أواسط العقد الأول من الألفية الثالثة. وكما قالت العرافة البلغارية المعروفة فانغا: "ستقضي البشرية في بداية القرن الحادي والعشرين على السرطان وسيأتي اليوم الذي سيكون فيه السرطان مكبلاً بسلسلة من الحديد". واليوم بإمكانكم أن تتأكدوا من صحة تنبؤات العرافة العظيمة فانغا. بالمناسبة فإن السلسلة الحديدية التي تحدثت عنها فانغا تعني جسمي لأن نصف أعضائه أصبح آلياً مثله مثل أي إنسان يعيش في عصري.

المتحدث عن طريق الخواطر "المتخاطر" بعضلات من فولاذ

عرف الإنسان منذ القدم أهمية العمل على تحسين أداء الجسد والروح وذلك للحصول على قدرات خيالية عن طريق قراءة الأفكار أو الحصول على حاسة سمع هائلة أو رؤية ما لا يمكن رؤيته وامتلاك عقل وقوة جسدية خارقة، كل هذا حصلت عليه عن طريق تطوير تكنولوجيا النانو العظيمة.
فقد تم زرع شريحة الكترونية داخل رأسي وأصبحت قادراً على قراءة الأفكار عن بعد والتحادث مع بقية الناس والتحكم بالأجهزة الحاسوبية والآلات الكترونية وممارسة الألعاب الافتراضية على كل حال هذه التكنولوجيا ليست جديدة، فقد تمكن المهندسون في شركة هوندا موتور اليابانية من تصميم Asimo وهو رجل آلي متخاطر كان يقوم على تنفيذ أوامر الإنسان عن طريق خوذة خاصة تمكن من ترجمة الأفكار إلى إشارات لاسلكية. أصبح هذا الاكتشاف في بداية الأمر عوناً كبيراً للمعاقين والمقعدين والمصابين بالشلل، ولكن لاحقاً تم تعميمه على الأصحاء من الناس.
وبحلول عام 2025 تمكن العلماء من تصميم عين وأنف وأذن وبشرة اصطناعية وهذه الاختراعات لا تحسن فقط من حواس الإنسان الطبيعية وإنما فتحت له المجال للشعور بأحاسيس جديدة وأنا اليوم أعيش جزئياً في عالم افتراضي فعلى سبيل المثال قمت بتركيب عدسة لاصقة أستطيع من خلالها الدخول إلى شبكة الانترنت وفي حال الضرورة أتمكن من رؤية المعلومات اللازمة من خرائط وأجهزة ملاحية ومواصفات لأي كائن ووثائق تاريخية، كما يمكن لهذه العدسات أن تترجم إيماءات الوجه وفي حال كان المتحدث أجنبياً فبإمكان العدسات أن تترجم ما يقوله الأجنبي بالصوت والصورة. يشار إلى أن البروفسور باباك بارويز من جامعة واشنطن كان قد تحدث عن إمكانية تصميم مثل هذه العدسات في عام 2011.
ما أتمتع به هو ذاكرة حادة وإمكانيات عقلية يحسدني عليها أينشتاين لأن دماغي موصولة مع الحاسوب ومعظم أعضاء جسمي أصبحت اصطناعية أكتسب منها قوة خارقة. على كل حال لقد كان العالم رودني بروكس من جامعة ماساشوتسيس التكنولوجية محقاً عندما أعلن في بداية القرن الحادي والعشرين أن الحدود ستزول بين الظواهر البيولوجية والتكنولوجيا الالكترونية وسيكون الإنسان شبيه إلى حد كبير بالرجل الآلي.

مرحاض للتحليل والتشخيص

الصورة: مدينة المستقبل التي تتألف من حشد من أجهزة النانو والتي يمكن أن تغير من شكلها في لحظة.

أنا أعيش في منزل مهمته العناية بصحتي، ففي الوقت الذي أستحم فيه تقوم غرفة الدش بمسح ضوئي لجسدي ومن ثم تقدم تشخيصاً لجميع أعضاء جسمي.
حتى أن الدخول إلى المرحاض أصبح له معنى طبياً، حيث يقوم كرسي المرحاض بتحليل البراز والبول، كل هذا والحياة في المنزل عبارة عن دورة مغلقة لا شيء ينقص فيها ولا شيء يزيد ولا شيء يذهب سدى، ونحن في هذا العصر لم نعد نعرف معنى للقمامة والفضلات، والبشرية حصلت على إمكانية السيطرة على المواد النووية تماماً. كل شيء متوفر لدي ولا داعي أن أذهب المحلات التجارية.
تقوم أجهزة النانو بتوفير كل ما أحتاجه عن طريق تفكيك أي مادة إلى جزئيات من القمامة أو الحجر أو الوسخ وتجمعها لتصبح ثياباً أو مواداً غذائية وتكنولوجيا منزلية وحتى مجوهرات وإكسسوارات للزينة. ومع تطور تكنولوجيا النانو أصبحت مجالات استخراج الثروات الباطنية والصناعة والزراعة قطاعات لا فائدة منها.
منزلي مثله مثل الموبيليا التي في داخله بإمكانه أن يأخذ شكلاً أخر لأنه متكون من كمية هائلة من أجهزة النانو المبرمجة والمؤتمتة والتي بإمكانها إعادة تشكيل نفسها لتكتسب صوراً لأشياء أخرى يمكن الاستفادة منها، وبفضل الحجم الهائل من أجهزة النانو يمكن أن تظهر وتختفي مدناً في لحظة من اللحظات. أتذكرون الجزء الثاني من الفيلم القديم بعنوان "ترميناتور" كان أحد أبطاله رجلاً آلياً مصنوعاً من المعادن السائلة؟ لم يعد ذلك محض خيال!
نياندرتالي بصوت بافاروتي
تعيش عندي قطة يشع منها النور وأنا مسرور لأنه بإمكاني التحادث معها وأسمع إلى أغانيها وهناك ديناصور صغير يعمل على حماية منزلي بالإضافة إلى حيوانات أليفة أخرى مثل الكلاب الصغيرة والببغاء التي يمكنها الغناء بأصوات لفنانين مشهورين وأسماك متنوعة. أما فيما يتعلق بالطبيعة البرية فقد تمكن العلماء منذ فترة بإعادة إحياء أنواع عديدة من الحيوانات عن طريق الحمض النووي حتى أنه تم إحياء فيلة الماموت وأنواع كثيرة من الديناصورات. بالمناسبة صرح بعض علماء الأحياء عام 2011 أنه أصبح بإمكانهم إعادة إحياء الإنسان القديم أو ما يسمى نياندرتالي. وقد أشار أحد خبراء شركة Advanced Cell Technology روبرت لانزا في حديث له مع الصحفيين قائلاً: "كل شيء ممكن من الناحية التقنية والنظرية ولا يمكن أن يقف أمام إعادة إحياء الإنسان القديم إلا المسألة الأخلاقية في هذا العمل".
جدير بالذكر أننا تمكنا من التواصل مع جيراننا من الكواكب الأخرى، ومع بداية القرن العشرين بدأ العلماء يعملون على تصميم أجهزة قادرة على تحويل مشاعر وأفكار الحيوانات إلى حديث مفهوم.
حتى أن البشرية تمكنت في بداية الأمر أن تتواصل مع فئة الرئيسيات ومن ثم تمكنت التواصل مع الثدييات وشيء فشيئاً تعلم الإنسان التواصل مع الأسماك والحشرات.

نزهة إلى العالم الآخر

إذا ما تساءلتم عن وسيلة النقل التي استخدمها إلى العمل أقول بأن لا حاجة لي لمغادرة المنزل من أجل العمل فأنا الآن أجلس على مقعد وثير، وبفضل العدسات التي تم ذكرها أنفاً أتعامل مع المهام الموكلة إلي بأفضل ما يكون. نحن الآن لا نعرف معنى للمكاتب واليوم نلتقي مع أصدقائنا عن طريق الواقع الافتراضي وإذا اضطررت أن أغادر المنزل أستخدم السيارة لهذا الغرض.
لكنني في هذه الحالة أنا راكب أكثر ما أكون سائق لأن القيادة كلها على عاتق الرجل الآلي القادر على قيادة المركبة دون وقوع حوادث سير مرورية. وكما كان متوقعاً فإن احتياطي النفط تم استنفاذه منذ زمن وإن وسائل النقل تعمل على وسائل الطاقة البديلة المحافظة على البيئة. أما عن الاستجمام فأنا أقوم برحلات إلى نوادي فضائية التي تم افتتاحها في المدار الخارجي وأقوم بنزهة إلى القمر والمريخ في الصيف مع أنه من الممكن أن نحل ضيوفاً على العوالم الأخرى والتي أصبحنا على علاقة جيدة معها. هكذا نعيش نحن في عام 2112.
بالطبع هناك من يقول إلى أن ما تم ذكره هو ضرب من الخيال ولكن صدقوني بأنه ليس فقط كتّاب القصص الخيالية يمكن أن يتنبئوا بهكذا مستقبل للأرض وإنما الكثير من العلماء أيضاً. ففي الوقت الذي تقرؤون فيه هذه السطور يقوم العلماء بمحاولات لتجسيد معظم العجائب التي تم ذكرها إلى حقيقة ولهذا من المتوقع أن يعيش أطفالنا وأحفادنا عالماً أكثر خيالية.

أكمل القراءة Résuméabuiyad

السبت، 9 نوفمبر 2013

10 بلايين من العوالم في الفضاء صالحة للحياة


أظهرت دراسة نشرت يوم الاثنين الماضي، أن نجماً من كل خمسة نجوم شبيهة بالشمس في مجرة ​​درب التبانة يدور حوله كوكب بحجم الأرض على مسافة مناسبة لوجود الماء.. أحد العناصر الحيوية للحياة.
ويشير التحليل الذي استند إلى ثلاثة أعوام من بيانات جمعها تلسكوب كيبلر الفضائي التابع لإدارة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) إلى أن المجرة موطن 10 بلايين من العوالم التي يحتمل أن تكون صالحة للحياة.
ويزداد العدد باطراد إذا شمل الإحصاء أيضاً الكواكب التي تدور حول نجوم القزم الأحمر الأكثر برودة وهي النجوم الأكثر 
شيوعاً في المجرة.
وقال إريك بتيجورا الذي قاد الدراسة - وهو طالب بالدراسات العليا في علم الفلك بجامعة كاليفورنيا في بيركلي- خلال مؤتمر بالهاتف مع الصحفيين يوم الإثنين «الكواكب تبدو أنها القاعدة وليس الاستثناء».
وكتب بتيجورا برنامجه الإلكتروني الخاص لتحليل نتائج التلسكوب الفضائي واكتشف أن 10 كواكب يتراوح قطرها من ضعف إلى ضعفي قطر الأرض تدور حول النجوم في المسافات المناسبة لوجود الماء في صورة سائلة على السطح.
وباستقراء عمليات رصد لكيبلر على مد 34 شهراً وجد بتيجورا وزملاؤه أن 22 بالمئة من 50 بليون نجم يشبه الشمس في المجرة من المفترض أنها يدور حولها كواكب بحجم الأرض تقريبا في مسافة ملائمة لوجود الماء.

وتسببت مشكلة في نظام تحديد المواقع في تعطل كيبلر عن العمل في أيار (مايو). ويعكف العلماء على تطوير مهام بديلة للتلسكوب الذي أطلق في عام 2009 . وهناك بيانات جمعها كيبلر بالفعل على مدى أكثر من عام لا تزال تحتاج إلى تحليل.

أكمل القراءة Résuméabuiyad

الزواحف عبر الحضارات

اليوم، موضوعي عن أغرب ظاهرة لم يلاحظها الكثير من الناس..الا وهي تقديس الحضارات الانسانية للزواحف من أقاصي الشرق الى أقاصي الغرب.
حتى في الديانات السماوية..نرى الزواحف تلعب دور الشيطان..مثلا، في الجنة، عندما كانا آدم وحواء في الجنة أنزلهم الله على الأرض لأنهم خدعوا بواسطة أفعى على اساس انها ابليس..ونجد أيضا تصوير المسيحيين للشيطان بحيوان زاحف..أقرب الى السحلية لها قرون..
فعلا غريب..حسنا، حان وقت قراءة أغرب ظاهرة في تاريخ البشرية..الزواحف عبر الحضارات:
سوف أبدأ من بلاد الشرق الأقصى..اليابان والصين..
في اليابان، الامبراطورية اليابانية يدعون بأنهم من نسل التنين..وطبعا هذا غير التقديس اليابانيين للتنين..لاحظوا بأن التنين حيوان اسطوري لكن يصنف كحيوان زاحف.
في استراليا، السكان الأصليون يدعون أن هنالك مخلوقات تشبه الزواحف تسكن تحت الأرض وتحكم الانسان.
في الصين، اضافة الى تقديسهم للتنين الا أن من المعتقدات الصينية أن الملكة الأفعى المسماة "نكووا" تهاجنت مع الانسان.
في الهند, يقدسون مخلوق اسطوري مصنف من الزواحف المعروف باسم "الناكا" Naga. 
في الشرق الأوسط، كانوا قديما يعتقدون بأن خالقي البشرية عبارة عن مخلوقات زاحفة تشبه الأفعى.
في حضارة سومر (العراق)، من خلال الكتابات السومرية (أول كتابة بالعالم) يقول السومريون بأن المخلوقات التي منحتهم الثقافة وخلقت الانسان هي مخلوقات زاحفة تسمى بـ"الآنوناكي" وحسب الوصف السومري لهم فانهم كانوا عمالقة قادرين على التحول في هيئة انسان..ولكنهم في الأصل مخلوقات شبيهة بالسحالي.
في أفريقيا، الملوك الأفارقة ادعوا بأنهم من نسل الأفاعي الذين قدموا من السماء..
في أمريكا الجنوبية، شعب المايا كانوا يدعون بأن أجدادهم هم شعب الأفعى.
في أمريكا الشمالية، شعب الهوبي (شعب من شعوب الهنود الحمر) يعتقدون بأن آلهة السماء أفاعي قدموا للتزاوج مع نسائهم ويطلقون عليهم اسم "الاخوان الأفاعي"
بالاضافة الى أمريكا الشمالية, كلمة "السوو" Siuox تعني أفعى (السوو هم شعب من شعوب الهنود الحمر) وأيضا الـ"ايروكي" تعني ثعبان.
ياترى..ماهذا الهوس الانساني بتقديس أو لعن الزواحف..؟ ولماذا الزواحف بالذات؟ 
أكمل القراءة Résuméabuiyad

الله بين الحب و الخشية

من غير المنطقي ان نجمع بين الخوف و الحب بين الخشية و الطمأنينة . عندما نحب تغمرننا السكينة و تملا كياننا بذلك الامان بحيث لا تترك مكانا لمشاعر الخوف . من هذا المنطلق البسيط تنبني علاقة الانسان المتناقصة بالمقدس . السؤال يطرح نفسه كيف يمكن للانسان ان يخشى الله و يحبه في نفس الوقت . كيف يمكن ان يجمع مشاعريين متناقضين ليترجم علاقته بالمقدس بشكل عام . ان الرأي السائد هو أن علاقة الانسان بخالقه هي علاقة متميزة لان الله مقدس و كلمة المقدس في رأيي هي كلمة اختلقها الانسان لتبرير عجزه عن المعرفة و ليضع حدودا وهمية لحريته في استخدام عقله . و لكن هل الله في حاجة لمشاعر الخشية لتزيد قدسيته او بالاحري هل الله في حاجة لان يكون مقدس . أعتقد ان الله لا يحتاج الي شئ محدد او تسمية معينة لكي تحدد مرتبته لا لشئ لانه المطلق في حد ذاته . اذا فالاشكال يكمن في تلك العقول البسيطة التي اختارت من السائد و المألوف عقيدة لها فهي تشترك في تصور موحد لصورة الاله و الدين هذا التصور الذي اكتسبه الانسان منذ سنواته الاولى حين يكون عقله مبهما حينها تدفعه غريزته الى الاكتشاف و التساؤل في محاولة لرفع الابهام و هنا تتدخل المدرسة الاولي أي الوالدين فتقدم أفكار جاهزة و أحكام مسبقة خاطئة في الاغلب ورثتها بدورها عن ابائها عندئذ يختار الانسان الصغير السبيل الاسهل لتقتل مجموعة الافكار المسلمة ملكة الشك و التساؤل لديه. في مجتمعات "المنطق المألوف" ترسم العائلة و المحيط الاجتماعي خطوطا حمراء وهمية تكبل قدرات الناشئ بأغلال مشدودة الى القاع المزدحم لتمنعه من التحليق عاليا نحو مملكة الحقيقة . هناك يقدم الدين و الاله بغلاف المقدس اي مواضيع يستحيل البحث فيها أو نقدها هي مواضيع بالغة القوة تتجاوز عقولنا الصغيرة وجب تقبلها مسلمة دون نقاش . يملؤون عقول الناشئة بخرافات و ترهات و يصورون الاه وحشا يجب الخضوع لسلطانه و الاخرة نهاية حارقة . فتربى هذا الناشئ الصغير علي مشاعر الاستسلام و الخوف . يتقدم الناشئ الصغير في العمر و تتقدم معه هذه المعتقدات ليخرج الى مجتمع أوسع فتنطلي عليه حيلة الحب الالاهي فيتعرف الى جانب اخر للاسطورة التي تلقاها في طفولته . و هنا تبدأ ثورة تساؤلاته و شكوكه لتمهد لبركان التمرد. كيف يمكن أن أحب ما أخشاه . هنا يؤدي السؤال الي نتيجتين حتميتين اما أن يستسلم هذا الانسان لواقعه و يعيش ضحية لنفاقه فيستمر في العيش ممثلا في مسرحية مفبركة بطلا من بين أبطالها المقنعين يحارب طموحه و حبه للمعرفة لينتهي به المطاف نسخة من نسخ الاغلبية الغبية. أو أن يطلق العنان لعقله و لغريزته التواقة الى الحقيقة . أن يثبت انسانيته فيبحث و يتساؤل و يتمرد عن كل ما هو مسلم و مألوف بذلك فقط تتحقق رسالته التي خلق من أجلها و هي ان يحمل لا فقط امانة الحرية و العلم بل ان يرسيها في الارض ايضا و يحيا لكي يخلد فيها باعماله و اهدافه التي حققها . ان الله تعالى خلقنا لكي نحبه لكي نحمده و نسبحه و لنتفكر في خلقه لا لكي نخشاه و نختلق أساطير لا تزيدنا الا جهلا . لانه تعالى من حكمته ان جعل الانسان خليفة له في الكون و الخلافة أوسع من ان نحددها بمعتقدات او بأفعال معينة بل هي تكريس كامل لمعجزة العقل التي أودعها الله تعالي في الانسان و هي حرية كاملة لا تعرف الخوف من المقدس . فحبنا لله تعالى هو الذي يصنع ايماننا الحقيقي النابع من العقل لا من النقل و التقليد و هو الذي سيجعله صامدا في افئدتنا لا يتزعزع .
أكمل القراءة Résuméabuiyad

الأربعاء، 6 نوفمبر 2013

التاريخ المزوّر ; الحقيقة الضائعة



إذا نظرنا إلى التاريخ الذي تتناوله الشعوب المختلفة ، نلاحظ أن كل أمّة تنظر إلى التاريخ من الزاوية المناسبة لها ، و هذا طبعاً هو أمر طبيعي إذا قمنا بالنظر إليه من الناحية الاستراتيجية . فمن أجل إرساء الوحدة الوطنية و غيرها من أفكار تعمل على دغدغة مشاعر الشعوب ، تعمل المؤسسات الثقافية على إيجاد أبطال تاريخيين منسوبين لهذه الأمة و شاركوا في صنع أمجادها الغابرة !.

ففي جمهورية أوزبكستان مثلاً ، يعتبر تيمورلانك بطل قومي حقق لشعبه الأمجاد و جلب له الخيرات من كل جهة و صوب !.. و من لا يعرف تيمورلانك ؟!.

أنا لا أعلم ماذا يقولون للطلاب و كيف يسردون لهم عن تلك المجازر التي قام بتنفيذها ضد الشعوب الأخرى ؟ فمدينة أصفهان لوحدها ، ذبح 70.000 من السكان ! و في مدينة دلهي في الهند ، سفح 100.000 من الهندوس !. كان يأمر جيشه ببناء هرم كبير من الجماجم بعد كل مذبحة !. 

أما هولاكو ، الذي دمّر بغداد دماراً تاماً ، قام بإطفاء شعلة النور الوحيدة في زمن الجهل المظلم ، قتل 800.000 من سكانها !. و لازالت آسيا الوسطى تعاني من نتائج أفعاله التخريبية حتى الآن !.
ينظرون إلى هذا الرجل في جمهورية منغوليا على أنه أعظم الشخصيات في التاريخ ! بعد جدّه جنكيز خان صانع الانتصارات العظيمة و سيد العالم أجمع !.

أما " شاكا " ، زعيم قبائل الزولو في جنوب أفريقيا ، هذا الرجل يعتبر رمز العظمة و الجبروت . سببت حملاته التوسّعية و حروبه على القبائل الأخرى إلى مقتل أكثر من مليوني إنسان و عشرات الملايين من الدواجن و الماشية !. هذا رقم غير قليل في زمن الرمح و الخنجر ! مع العلم أن جيشه كان يزحف على الأعداء مشياً على الأقدام دون ركوب الجياد !..

و عند سماعه يوماً نبأ وفاة والدته ، و كان حينها بعيداً عن الوطن ، أصيب بنوبة اختلال عقلي ( كريزة ) فراح يسفح يميناً و شمالاً برجاله و كل من جاء بطريقه ! و عندما زالت نوبته كان قد قتل 7000 فرد من الزولو !. و لمدّة سنة كاملة ، عاش شعبه هذا الحزن الكبير الذي أصابه ، فمنع زراعة المحاصيل ، و إنتاج الحليب ( الغذاء الرئيسي لشعب الزولو ) و كل امرأة حملت جنين في بطنها قتلت مع زوجها في الحال ! ذبح الآلاف من الأبقار الحلوبة ! ذلك من أجل أن تشعر العجول الصغيرة بصعوبة فقدان الأم !. هذا الرجل يعتبر من أحد الأبطال الفذّة في تاريخ أفريقيا !.

أما إذا نظرنا إلى أبطال أوروبا التاريخيين ، و الطريقة التي يصفون بها هذه الشخصيات المثيرة للجدل ، نجد أنفسنا أمام أكبر عملية تزوير للتاريخ ! خاصة في عصر الاكتشافات !

أوّل ما يلفت انتباهنا هو اعتبار كريستوفر كولومبس أنه مكتشف العالم الجديد ، و لازالوا يحتفلون بهذه المناسبة حتى اليوم ! و تجاهلوا تماماً الشعوب المحلية التي ازدهرت يوماً في تلك البلاد ! هذه الشعوب المسكينة تعتبر اكتشاف كولومبس أكبر لعنة ضربت القارة الجديدة !. قام الأوروبيون بذبح مئات الملايين من السكان الأصليين و دمروا كل ما له صلة بثقافاتهم و حضاراتهم الراقية ! و حوّلوهم 
إلى عبيد بين ليلة و ضحاها ! و بقوا على هذه الحال إلى أوائل القرن العشرين !. 

نأخذ مثلاً من الأبطال الأوروبيين :

القائد الأسباني العظيم هيرناندو كورتيز ، دخل إلى بلاد الأزتك ( المكسيك حالياً ) و استقبله ملك البلاد " مونيزوما " استقبال النبلاء ، و أمر شعبه بأن يحسنون ضيافة الجنود و تلبية كل طلباتهم . لكن القائد الأسباني النبيل قام باستغلال هذه المعاملة المسالمة و بعد أن توغّل جيشه بين السكان ، بطريقة سلمية ، أصدر الأمر المفاجئ و راحت آلة القتل تعمل بهؤلاء المساكين . قام بإبادة طبقة النبلاء و المثقفين و القيادات العسكرية إبادة تامة ، و أخذ الملك رهينة كي يبادله بالكنوز و الأموال المخبّئة ، أما باقي الشعب المصدوم ، ففرض عليهم نظام استعبادي دام قرون من الزمن .... لازالت تماثيل كورتيز تعانق السماء في ساحات المكسيك !.بلاد الأزتك !. 

أما القائد العظيم فرانسيسكو بيزارو ، هذا الرجل الذي لم يتعلّم القراءة و الكتابة ، شاءت الأقدار بأن تجعله أحد أكبر قادة الجيوش الأسبانية في أمريكا الجنوبية !.
عند وصوله إلى سواحل ما تسمى البيرو حالياً ، حيث ازدهرت حضارة الإنكا ، علم ملك البلاد ( أتاهوالبا ) بنبأ وصولهم ، فأوعز لجيوشه بأن يسمحوا لهم بالدخول إلى المناطق الداخلية حيث كان مقيماً هناك ، و ذهب هذا الملك المضياف مع بضعة آلاف من طبقة النبلاء و القادة لاستقبال الضيف القادم من وراء البحار ، مع العلم أن الهنود كانوا مجرّدين من السلاح . لكن البطل النبيل بيزارو قام يذبحهم جميعاً ! تاركاً الملك فقط على قيد الحياة من أجل إطلاعه على مخابئ الكنوز و الأموال ! و بعد استسلام جيوش الملك الذي أخذ رهينة ، و كان عددهم هائلاً مما جعله من المستحيل أخذهم كأسرى ، أمر القائد العظيم بيزارو جنوده بأن يقتلوهم جميعاً ! فراح الجنود الأسبان المتوحّشين يتفننون بقتلهم إلى أن تعبوا من ذلك ( بسبب كثرة العدد ) ! فصدر أمر من القائد السموح بأن يطلق سراح الذين لازالوا على قيد الحياة ، و قد تم ذلك بالفعل ، لكن بعد أن قاموا بتقطيع أيديهم !.. لقد قطعت أيدي أكثر من أربعين ألف من الهنود ! ثم أطلق سراحهم و عادوا على عائلاتهم بهذا الحال المزري !. هكذا كان فرانسيسكو بيزارو صانع أمجاد أسبانيا العظمى !.. 

تاريخ الولايات المتحدة المشرّف ;

إذا ألقينا نظرة على التاريخ الذي تدعي به حكومات الولايات المتحدة الأمريكية ، و الذي لا يتردّدون في الإعلان عنه و إدخاله في المناهج المدرسية و يعلّمون التلاميذ كيف كان أجدادهم الأبطال يحاربون الهنود المتوحشين ! و يجب أن لا ننسى الدور الذي لعبته الأفلام الهوليودية في ترسيخ تلك الأكاذيب في عقول الشعوب !. نكتشف حينها ذلك المستوى من الانحطاط الأخلاقي و التجرّد من الإنسانية الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان في عملية تزويره للتاريخ !...
يدعي التاريخ الأمريكي بأن الأوروبيين الأوائل قد خاضوا مئات من الحروب ضد الهنود . لكنها في الحقيقة لم تكن سوى مجازر دموية لا أخلاقية ارتكبها الأوروبي القوى المدجج بأسلحة فتاكة ضدّ شعب مضياف مسالم شبه أعزل يكره الحروب !. 

لا زالت كتب التاريخ الأمريكية تزخر بالمئات من الدروس التي تتحدّث عن حروب ضارية بين الأوروبيين و الهنود . أوّلها كانت حرب البيكوت عام 1637م . ثم حرب الناراغانست بين عامي 1643م ـ 1645م . ثم الحروب التي اندلعت بين المستعمرين الفرنسيين و المستعمرين الإنكليز ، و التي راح ضحيتها المئات من القبائل ( مئات الألوف من الهنود ) التي صادف وجودها في وسط مناطق الصراع .
ثم حرب الأوتاوا ، و حرب النوسكارورا ، و حرب الناتشيز ، و حرب الألغونكوان ، و حرب الأوروكويز ، حرب الشيروكي ، و الشكتاو ، و الكريك ، و الشاوني ، معركة تيبتكانو ، حرب البلاك هوك ، حروب السامينولي ، حروب الشوشون والأوتي و الأباشي و النافاجو ، ثم معارك الأراباهو و الشايني و السيوكس ، و معركة ليتل بيغ هورن ، و أخر المعارك كانت ضد شعب النيزبيرس في عام1870م ، و المعركة الشهيرة التي أخضعت آخر الثورات الهندية بقيادة جورانيمو في العام 1880م ، و ختمت هذه الحروب بمجزرة ووندد ني في داكوتا الجنوبية عام 1890م .
جميع هذه الحروب اتخذت أسماء القبائل الهندية التي قام الأوروبيون بسحقها بعد التعامل معها بالمكر و الخديعة و المفاوضات قبل الإنقضاض عليها غدراً و من ثم ارتكاب أبشع المجازر بحق شعوبها . 
يقوم التاريخ الأمريكي بوصف تلك الحروب بطريقة تجعلنا نعتقد بأن المستعمرين البيض هم شعوب مسالمة جاؤا بسلام و لم يعتدوا على أحد إلا إذا تم الاعتداء عليهم . فيضطرّون حينها للردّ ، لكن بشجاعة لا مثيل لها و نبل أخلاقي منقطع النظير . أما الهنود ، فهم مجموعة من القبائل البدائية لا حضارة لها ، شعب من الكفار لا دين لهم ، متوحّشين يقتلون الأطفال و النساء ، لا يأبهون بالقيم 
الأخلاقية التي طالما نادى بها البيض !. 

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو :

إذا كان الحال كذلك ، كيف نفسّر إبادة عشرات الملايين من الهنود ؟ كيف تم دفع شعوب بكاملها ملأت يوماً كافة أرجاء القارة الأمريكية الشمالية ، إلى حد الانقراض التام ؟!.

إن جميع تلك الحروب المذكورة لم تكن سوى مجازر هدفها هو إبادة منظّمة للشعوب الهندية على يد الأوروبيين !. و الوثائق التاريخية تؤكّد ذلك .


يصف لنا الكابتن جون أندرهيل ، القائد الإنكليزي الذي شارك في الحرب التي أدّت إلى إبادة شعب البيكوت عام 1637م ، إحدى معاركها التي انتصر فيها الإنكليز الأبطال على الهنود الأشرار . و قتل في هذه المجزرة 400 من الرجال و الشيوخ و الأطفال و النساء . و لم ينجو منها سوى خمسة هنود !. و قد برّر فعلته الشنيعة هذه بأنه دائماً يستلهم أفعاله من الكتاب المقدّس الذي ورد فيه ما يحلّل قتل الكفار و أطفالهم و نسائهم و شيوخهم و كل ما يخصّهم !.. يقول البطل أندرهيل :

.. بينما كنا نقترب من مخيّمهم ، راح الجنود ينبشون قبورهم و يمثّلون بمحتوياتها ... و قاموا بإحراق محاصيلهم .... و راحوا يطلقون النار على الحيوانات الأليفة التي جاءت في طريقهم .. و كل من جاء لمفاوضتنا من قبلهم كان يتعرّض لنيران الجنود ... قمنا بإشعال الحريق حول مخيّمهم المحصّن .... و انتظرنا لفترة من الوقت حتى تمكنت النيران من التسرّب إلى داخل المخيّم .... و رحنا نسمع صراخ الأطفال و النساء من بين الذين راحت تأكلهم النيران ... مما أنذرنا بأن الوقت قد حان لخروج رجالهم تجاهنا لمواجهة الموت المحتّم ... فراحوا يهجمون علينا من داخل النيران بشجاعة يستحقون الاعتراف بها حتى من أعدائهم ... و راح رجالنا يستقبلونهم مجموعات مجموعات ، ثلاثين و عشرين من الهنود بالوقت نفسه .... 

لكنهم لم يجدوا في انتظارهم سوى سيوفنا و نيران البنادق ... و ليس هناك فرصة للهروب ..... أما مشهد جثث الأطفال و النساء المترامية هنا و هناك ، فقد جعلت الكثير من الجنود يستسلمون للبكاء ، خاصة هؤلاء الصغار في السنّ الذين لم يخوضوا الحروب من قبل ... لكن الذي حصل هو الصواب .. و في هذه المناسبات القتالية أستلهم دائماً كلمة الله الواردة في الكتاب المقدّس ... فأتذكّر حروب الملك داوود على الكفار ، و كيف كان يسحق الأعداء الذين يستحقون البطش دون رحمة .. دوائهم هو السيف و ليس السلام ... إنهم يستحقون أبشع ميتة يمكن أن يموتها الإنسان الكافر ... و قد ورد في الكتاب ما يشير بوضوح إلى أنه يجب على النساء و الأطفال و ذويهم الكفار أن يهلكوا و يفنوا تماما على يد المؤمنين ... يجب أن لا نتجادل حول ما نفعله أو نرتكبه في الحروب .. إننا بكل بساطة نقوم بتنفيذ كلمة الله الذي طالما ساندنا في خطواتنا و إنجازاتنا المختلفة ..!

مثالاً آخر على الحروب المذكورة في التاريخ الأمريكي المجيد نذكر تلك التي شنّتها الحكومة الأمريكية على شعب النيزبيرس الذي كانت قبائله تقطن في ما يعرف بأوراغون حالياً . فرضت الحكومة على هذه القبائل بأن تنزح عن أراضيها الخصبة إلى محميات خاصة للهنود أقامتها الحكومة في أراضي صحراوية غير صالحة حتى لعيش الأفاعي !.

لكن هذا الطلب رفض من قبل الشعب الذي كان يتزعّمه أحد أعظم الشخصيات الهندية هو أنموتوياهلات الملقب بشيف جوزيف . كان هذا الرجل الحكيم راجح العقل ، واسع الأفق ، و ميّال للسلام أكثر منه للحرب . لكن الضغوط الكبيرة التي أنزلتها الحكومة على شعبه المسكين جعلته يفضّل النزوح شمالاً تجاه الأراضي الكندية بدلاً من الانتقال إلى محمية وضيعة في الصحراء . لكن ما أن وصل قرب الحدود الكندية ( مونتانا حالياً ) حتى انقضّت على قوافله المهاجرة جحافل من الجيوش الأمريكية بقيادة الجنرال البطل أوليفر هاوارد ! ففرض عليهم القتال !. و دامت المعارك الشرسة أيام عديدة إلى أن انتهت باستسلام الزعيم الهندي العجوز حفاظاً على سلامة من تبقّى من شعبه الذي تعرّض لعملية إبادة وحشية شاملة !.


يقول في كلمته الشهيرة التي أعلن فيها عن استسلامه :

لقد تعبت من القتال ... جميع زعماء شعبي قد ماتوا ... جميع الشيوخ الحكماء قد ماتوا .. و الذي يقود المحاربين الشباب قد مات .. إن الجو بارد جداً ، و ليس لدينا ما نكتسيه كي نتقي البرد القارص ... الأطفال الصغار يتساقطون من البرد و يموتون .. أما الذين بقوا على قيد الحياة ، فقد هربوا إلى التلال المجاورة ليختبؤا بين الأحراش ، ليس لديهم طعام و لا كساء .. لا أحد يعلم أين هم الآن ... ربما ماتوا من البرد .. أريد أن تمنحوني وقت حتى أبحث عن أطفالي .. ربما أجدهم بين الأموات ..

اسمعوني يا أسيادي . أنا تعبت . إن قلبي حزين و مريض . و منذ هذه اللحظة ، من حيث موقع الشمس الآن ، سوف لن أقاتل أبداً ..

مات هذا العجوز العظيم في إحدى المحميات الحكومية بعد حياة ذليلة ، ترفضها الكلاب ، قضاها في أواخر أيامه . 

و في العام 1890م ختمت الحكومة حروبها ضد الهنود بمجزرة ( ووندد ني ) التي ارتكبتها في داكوتا الجنوبية . و روى أحد الهنود الناجين من تلك المجزرة عن بعض من تفاصيلها للسيد جيمس مكريغور ، المشرف على أحوال و شؤون الهنود الحمر . فقال :

... ها أنت تشاهد حالتي .. أنا مريض و جرحي بالغ الخطورة ... فالجنود كادوا أن يقتلوني .. أنا لم أؤذي أي أبيض في حياتي .. كانت هذه المجزرة خطأ كبير تجاه شعبي و زعيم قبيلتي . لم ينوي زعيمنا مقاتلة الجنود . كان يضع دائماً علم أبيض أمام المخيّم تعبيراً عن ميله للسلام و التفاوض .. لقد غدر بنا الجنود ... قاموا بتجريدنا من السلاح بعد أن خدعوا زعيمنا .. راحوا يتوغلون بين الأهالي يفتشون النساء و الأطفال بحثاً عن السلاح أو أي آلة حادة تستخدم كسلاح .. و بعد أن كدّسوا الأسلحة بعيداً عن تناول الهنود ، أصدر قائدهم أمراً بإطلاق النار علينا و على نسائنا و أطفالنا ! .. راحوا يلاحقونا و يصيدونا كما يصيدون البوفالو !.. كيف يمكن لهؤلاء الجنود أن يقتلوا الأطفال ؟.. لا بدّ من أنهم سيؤن .. فالهنود لا يستطيعون قتل الأطفال البيض . لا يمكنهم فعل ذلك أبداً .... 

في أوائل القرن التاسع عشر ، حضر مبشّر مسيحي إلى بوفالو كريك ، نيويورك ، قادماً من بوسطن و جمع زعماء قبائل السينيكا ، الذين سكنوا تلك المنطقة في حينها ، ليقول لهم أنه ينوي تحويلهم إلى الديانة المسيحية . و أنه سيعلّمهم كيف يعبدون الروح العظيم ، و لا ينوي تجريدهم من أرضهم أو مالهم أو ممتلكاتهم . و لا يوجد سوى ديانة واحدة أصيلة في هذا العالم ، و إن من لا يعتنقها سوف يتجرّد من السعادة و سيعيش في الظلمة و الخطيئة طوال عمره ، و غيرها من كلمات تبشيرية ساحرة .. و بعد انتهاء هذا المبشّر من خطابه الطويل ، طلب من الزعماء الهنود الحاضرين في الاجتماع أن يعطوه جواب على اقتراحه .

و اتفق الزعماء على أن يتحدّث باسمهم الزعيم الهندي المخضرم " ساغويواثا " الملقّب بريد جاكيت . و قد قام الكاتب الأمريكي " سامويل غودريش " بتوثيق هذا الخطاب ، و نشره فيما بعد ضمن كتاب يحمل عنوان : " شخصيات هندية شهيرة " . و قد وصف الكاتب هذا الزعيم الهندي النبيل بدقة كبيرة منذ أن وقف ببطء منتصب القامة ملقياً وشاحه التقليدي على ذراعه كالسيناتور الروماني ، و كيف ألقى خطابه الشهير بفصاحة لا تخلو من النبل و عزة النفس ، و هذا ذكّر البيض الذين حضروا الاجتماع ، بما فقدوه من الشيم الأخلاقية الأصيلة التي طالما تميّز بها الهنود الحمر ، إلى أن انتهى من كلامه و مضى في سبيله . 


قال الزعيم الهندي رداً على كلام المبشّر :

صديقي و أخي . إنها إرادة الروح العظيم بأن نجتمع هنا اليوم .. إنه الآمر الناهي بكل شيء .. و قد أعطانا يوماً جميلاً لاجتماعنا .. أزال حجابه عن عين الشمس فسطعت من فوقنا و فتحت عيوننا فأصبحنا نرى بوضوح .. و عملت آذاننا دون توقّف .. مما جعلنا نسمع بانتباه كل كلمة قلتها لنا .. كل هذا هو من فضل الروح العظيم و له الشكر و الحمد ..

أخي .. لقد أقيم هذا الاجتماع من أجلك .. و قد حضرنا في هذا الوقت بناءاً على طلبك .. و قد استمعنا بانتباه لما قلته .. و طلبت منا أن نعبّر عن أفكارنا بحريّة .. هذا يجلب السرور لقلوبنا .. فإنه يشجعنا على الوقوف أمامك باستقامة و التعبير عن ما يجول في نفوسنا من أفكار .. الجميع هنا استمع إلى ما قلته ، و الجميع قرّر و اتفق على إعطائك الجواب عن طريق وسيط واحد ..

أخي .. قلت أنك تريد جواباً على ما اقترحته قبل مغادرة هذا المكان .. إنه من حقك الحصول على جواب .. فأنت بعيد جداً عن منزلك و نحن لا نريد أن نؤخّرك .. لكن يجب علينا أولاً العودة قليلاً إلى الماضي .. و سأروي لك ما رواه لنا آبائنا و أجدادنا ، بالإضافة إلى ما سمعناه من الرجل الأبيض ..

أخي .. اسمع جيداً ما سأقوله .. كان هناك وقت ملك فيه أجدادنا هذه الأرض .. و امتدّت مقاعدهم من شروق الشمس إلى غروبها .. فالروح العظيم جعل هذه الأرض للهنود .. و خلق البوفالو و الغزلان و الحيوانات الأخرى لطعامنا .. و خلق الدب و القندس لنجعل من جلدها كساءاً .. و قام بنشرها في جميع أسقاع البلاد ، و علّمنا كيف نصطادها .. و سخّر الأرض لتنتج الذرة فصنعنا الخبز .. كل هذه الخيرات ، خلقها من أجل أولاده الهنود لأنه يحبّهم .. و إذا حصلت خلافات بين الهنود حول أراضي الصيد ، كانت تسوّى مباشرة ، دون سفك الدماء .. لكن مرّ يوماً ملعوناً على الهنود .. عندما قطع أجدادك المياه العظيمة ( المحيط ) .. و وصلوا إلى شواطئنا .. كان عددهم قليل ، لكنهم وجدوا أصدقاء ، و ليس أعداء .. قالوا لنا أنهم هربوا من بلادهم خوفاً من رجال أشرار .. و جاؤا إلى هنا كي يتمتعوا بممارسة ديانتهم بحرية .. و طلبوا منا مقعد صغير من الأرض .. فأشفقنا عليهم ، و قمنا بتلبية طلبهم .. و عاشوا بيننا بسلام .. و قدمنا لهم اللحوم و الحبوب .. لكنهم أعطونا مقابلها السمّ !. لقد اكتشف الرجل الأبيض بلادنا .. فأرسلوا أنباء إلى بلادهم .. و جاء المزيد من البيض .. لكننا لم نهتم لهذه المسألة و أخذناهم كأصدقاء .. و قالوا لنا أنهم يعتبروننا أخوة .. و قد صدّقناهم و أعطيناهم المزيد من الأرض .. لكن أعدادهم ازدادت كثيراً .. و طلبوا المزيد من الأرض .. و قد أرادوا بلادنا كلها !. لكن عيوننا تفتحت ، و أصبحنا مضطربي البال .. و وقعت حروب كثيرة .. فأبيد الكثير من الهنود ..

أخي .. كانت مقاعدنا في يوم من الأيام كبيرة ، و مقاعدكم كانت صغيرة .. لكنكم أصبحتم الآن شعب عظيم العدد و القدرة .. أما نحن ، فمن الصعب علينا إيجاد مقعداً نمدّ فيه بساطنا .. لقد أخذتم بلادنا .. لكنكم غير مكتفين بذلك .. و تريدون الآن فرض ديانتكم علينا ..

أخي .. تابع في الاستماع .. تقول أنك ستعلّمنا كيف نعبد الروح العظيم وفق الطريقة التي يريدها هو .. و إذا لم نعبده وفق المذهب الذي تسلكونه سوف لن نكون سعداء إلى الأبد .. تقول أنك على صواب و نحن تائهين في عالم الخطيئة .... من الذي يضمن صحّة هذا الكلام ؟... و قد فهمنا أن ديانتكم مكتوبة في كتاب .. فإذا قُدر لهذه الديانة أن تنتشر بيننا ، لماذا لم نستلهمها مباشرة من الروح العظيم ؟.. لماذا لم يعطيها لأجدادنا و أسلافنا الأوائل حتى نتفهّمها جيداً و نستوعبها بطريقة صحيحة ؟.. إن كلّ ما نعرفه عن هذه الديانة هو ما تقوله لنا .. كيف لنا أن نصدّق كلامك في الوقت الذي نتعرّض فيه دائماً للمكر و الخديعة على يد الرجل الأبيض ؟..

أخي .. تقول أنه هناك طريقة وحيدة لعبادة الروح العظيم و خدمته .. إذا كان هناك حقاً ديانة واحدة ، لماذا أنتم البيض تتجادلون دائماً حولها و تختلفون ؟. لماذا لا تتفقون على سلوك واحد طالما أن التعليمات مكتوبة في هذا الكتاب ؟..

أخي .. نحن لا نفهم هذه الأشياء .. قيل لنا أنكم توارثتم هذا الدين من أجدادكم و انحدر من الأب إلى الابن إلى أن وصل إليكم .. لكن نحن أيضاً لدينا دين .. و قد توارثناه من أجدادنا .. هذه هي طريقتنا في العبادة .. إنه يعلّمنا كيف نحمد الخالق على ما نجنيه من خيرات .. و يعلّمنا كيف نحب بعضنا البعض .. و كيف نتّحد .. نحن لا نتجادل و لا نختلف حول ديننا ..

أخي .. إن الروح العظيم قد خلقنا جميعاً .. لكنه جعل أولاده البيض و الهنود يختلفون في أشياء كثيرة .. فقد أعطانا لون بشرة مختلف .. و عادات مختلفة .. و أعطاكم الفنون .. خاصة تلك التي تتعلّق بالحروب .. فهو لم يفتح أعيننا لهذه الأشياء .. و بما أنه جعلنا نختلف بأمور كثيرة ، لماذا لا نتفق على أنه أعطانا ديانة مختلفة لكنها مناسبة لطريقة عيشنا و فهمنا للحياة ؟. إن الروح العظيم لا يخطئ أبداً .. و هو يعرف ما يناسب أولاده .. و نحن مكتفون بما أعطانا ..

أخي .. نحن لم نشأ تدمير ديانتكم .. أو نجرّدكم منها .. إننا فقط نريد أن نمارس ديانتنا ..

أخي .. قلت أنك لم تأتي إلى هنا لتأخذ أرضنا أو مالنا .. بل أتيت لترشدنا إلى طريق الصواب .. لكن أحب أن أقول لك بأنني قد حضرت إحدى اجتماعاتكم العبادية .. و رأيت الراهب حين كان يدور على المصلّين و يجمع منهم المال .. أنا لا أعرف إلى أين يذهب هذا المال أو لماذا تجمعوه .. لكن دعونا نفترض أنه يذهب إلى الكاهن الأعلى .. و إذا بنينا هذا على طريقة تفكيرك ، نستنتج بأنك تريد بعض من مالنا ..

أخي .. قيل لنا أنك تقوم بالتبشير بين البيض الذين يسكنون في الجوار .. هؤلاء الناس هم جيراننا و نحن نعرف سلوكهم جيداً .. سوف ننتظر لفترة من الوقت و نرى ما هو تأثير تعاليمك التبشيرية عليهم .. و إذا اكتشفنا أن لها نتائج إيجابية على سلوكهم ، و تجعلهم صادقين في تعاملهم مع الهنود و تردعهم عن الغش و الخداع الذي طالما عانيناه منهم ، سوف نعيد النظر فيما قلته ..

أخي .. لقد سمعت جوابنا على اقتراحك .. و هذا كل ما عندنا لنقوله حالياً .. و بما أننا سوف نفترق ، سنتقدّم لمصافحتك باليد و نتمنى أن يحميك الروح العظيم في رحلتك ، و العودة إلى ديارك و ذويك بأمان ..

لقد تعرّض بعدها الزعيم ريد جاكيت لتهم كثيرة تنعته بالهرطقة و الشعوذة و الخروج عن السلوكيات الدينية الأصيلة و اتخذت بحقه الإجراءات المناسبة لها ... !

إن التاريخ المثالي هو الذي يكتبه مؤرخون متخصّصون يتمتعون بإلمام كامل عن الحقائق و التفاصيل التاريخية المختلفة . بالإضافة إلى عدم الانحياز في النظر إلى الأحداث . لكن الواقع يظهر حقيقة أخرى . فالتاريخ الذي تتعلمه الجماهير هو التاريخ الذي فرضه المنتصرون !.

هذا يذكرني بكلام داروين عن حقيقة " البقاء للأنسب " ؟. ليس من الضرورة لأن نكون خبراء محترفين حتى نكتشف حقيقة أنه عندما يتعلّق الأمر بالإنسانية نجد أن الذي يبقى هو ليس الأنسب !. إذا نظرت إلى الواقع بنظرة إنسانية أصيلة ، تجد أن الذي يبقى هو الأكثر رغبة في القتل ، المدجّج بالسلاح و المحترف بفنون القتل و الدمار ، القاسي الذي يخلو من أي رادع أخلاقي يكبح وحشيته الشريرة . و بكلمة أخرى نقول :

إن الذي يبقى هو النوع الغير مناسب إنسانياً !. 

تزوير التاريخ .... حالة طبيعية .. تعتبر إحدى أهم الضروريات الاستراتيجية في عملية إدراة الجماهير ... لكن لصالح من ؟.

أنظروا إلى ما وصلت إليه البشرية ... أنظروا إلى التوجّه الفكري و الأخلاقي الذي تسلكه الشعوب .. من المسئول عن هذا الوضع المرعب الذي نعاني منه الآن ؟.. لماذا لا تعلن الحقيقة ؟.. حقيقة أن التاريخ المكتوب صنعه مشعوذون استراتيجيون .. هدفهم هو توجيه الشعوب كما يشاؤن .. و التحكم بهم كما يشاؤن .. و تسخيرهم لتنفيذ أهداف قلّة شريرة من الناس .. و أهوائهم السخيفة .. فتاهت الشعوب .. و ابتعدت عن الحقيقة تماماً .. و راحوا يخوضون الحروب على الآخرين معتمدين على التاريخ المكتوب .. و راحوا يشعلون النيران و يقطعون الأشجار ... كما هو مكتوب ... راحوا ينهلون من المعلومات التاريخية المزوّرة حتى أصبحوا كائنات شريرة ! لا تستطيع العيش دون قتال ..

فلم يعد للخير بينهم مكان ... و بدلا من تبجيل الخير و لعنة الشرّ ، راحوا يعبدون القوة و يحتقرون الضعف و الهوان !.. انقرض الخير و سادت القوة .. فحكم الشرّ !.. و نسب السيف للمجد !.. و نسبت القوّة للعظمة !. و المجرم السفاح أصبح بطلاً !. و الضعيف الذي خسر المعركة هو دائماً الشرير !.. أما المنتصر ، فهو القديس الذي اسمه يسود !.

ثم نظرنا حولنا ... فرأينا مجموعة من الذئاب .. تجتمع حول غزال مسكين .. و انقضّت عليه و مزّقته إرباً .... بشراسة مخيفة ... دون شفقة أو رحمة .. ثم التفتنا إلى كلب ودود .. الكائن الوحيد الذي أثبت وفاؤه المطلق للإنسان ... و المستعد للتضحية بحياته من أجله .. فقرّرنا استخدام الاسم " كلب " لنشتم به الآخرين ! .. أما الاسم " ذئب " فمدحنا به الآخرين !.. و أطلقناه اسماً على أحد أولادنا تيمناً بذلك الوحش المرعب المخيف !..

من قال أن الإنسان على صواب ؟!.

آن الأوان أن ندع التاريخ جانباً ... و نبدأ بتلقين أولادنا الأخلاق !.. آن الأوان أن نتعلّم كيف نحب الآخرين .. مهما كان لونهم .. مهما كانت ثقافتهم و معتقداتهم و علومهم .. يجب أن تسود المحبة .. كي يعمّ الخير من جديد ... هل هذا المطلب كبير علينا كشعوب و جماهير ؟.. أم أن هناك من يقف عائقاً في هذا التوجّه الإنساني العظيم ؟!.. 
أكمل القراءة Résuméabuiyad

جـــــهنـــــم... حقيقة ام تراكمات اسطورية !!!

الكثير منا يرعبها و يخافها طبعا كيف لا و هي ما لقنت لنا منذ الصغر
مثلها مثل الأرواح الشريرة التي نخاف منها و الأشباح و الغولة
لكن جهنم هي التي ترعبنا اكثر لأنها تحرق
و المشكل يدعمونها بالدين ان من دخلها سوف يحرق و كلما حرق
تبدل جلده الى جلد اخر و يحرق مرة اخرة و هكذا الى ابد الأبدين
و المشكل و على حس الدين
سوف يدخلها الجميع لأن الله عادل
و لن يسمح بذرة من حقه لأنه عادل مثل ما قلت
لذا من المستحيل ان البشر لا يخطؤون فى حياتهم و لو بذرة
لذا الكل سوف يذوق عذاب النار و لو لأيام او ساعات
لذا نجد مشكلة الخوق من النار منتشرة بطريقة هيستيرية
و اي متدين من اي ديانة كانت تجده يرتعب عند ذكرها و يهز رأسه تحسرا منها
لكن فى نفس الوقت الكثير يطمع فى رحمة الله التي سوف تنجيه
من عذاب جهنم لذا تجده يهدئ من روعه و يطمع فى الرحمة الإلهية مستقبلا عندما يموت ..

ان كلمة جهنم جاءت من الكلمة العبرية גיא בן הינום
جي بن هنوم او وادي بن هينوم وهوموقع جغرافي معروف بالقدس تبدا القصة في سفر يشوع الاصحاح الخامس عشر بوصف موقع جهنم وابعادها
וְעָלָה הַגְּבוּל גֵּי בֶן הִנֹּם אֶל כֶּתֶף הַיְבוּסִי מִנֶּגֶב הִיא יְרוּשָׁלִָם وصعدت الحدود في وادي بن هنوم الى الجانب البيوسي من الجنوب هي اورشليم
وفي الاصحاح الثامن عشر نجد:
וְיָרַד הַגְּבוּל אֶל קְצֵה הָהָר אֲשֶׁר עַל פְּנֵי גֵּי בֶן הִנֹּם אֲשֶׁר בְּעֵמֶק רְפָאִים צָפוֹנָה וְיָרַד גֵּי הִנֹּם אֶל כֶּתֶף הַיְבוּסִי נֶגְבָּה וְיָרַד עֵין רֹגֵל

ونزلت الحدود الى طرف الجبل المقابل لوادي بن هنوم الذي يقع بوادي رفائيم شمالا ونزل وادي جي هينوم الى جانب اليبوسيين من الجنوب والى عين روجل

وفي نحميا الاصحاح الحادي عشر :

זָנֹחַ עֲדֻלָּם וְחַצְרֵיהֶם לָכִישׁ וּשְׂדֹתֶיהָ עֲזֵקָה וּבְנֹתֶיהָ וַיַּחֲנוּ מִבְּמִבְּאֵר-שֶׁבַע עַד-גֵּיא הִנֹּם

زنوح عدلام وقراهم, لاكيش وحقولهم ,عزقاه وابنيتها ويعسكروا من بئر السبع حتى جي هينوم

اما السمعة السئة الملعونة لهذا المكان نشات بسبب انه كان وادي تمارس به طقوس عبادة مولوخ او (ملوك) في زمن النبي ارميا حيث كانوا يقدمون ابنائهم كقرابين لملوك 
فكانوا ويرجوا الانتباه على هذا يحرقوهم بالنار فنقرا في ارميا الاصحاح التاسع عشر

واخرج الى وادي ابن هنوم الذي عند مدخل باب الفخّار وناد هناك بالكلمات التي اكلمك بها. 3 وقل اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا وسكان اورشليم.هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل.هانذا جالب على هذا الموضع شرا كل من سمع به تطن اذناه. 4 من اجل انهم تركوني وانكروا هذا الموضع وبخروا فيه لآلهة اخرى لم يعرفوها هم ولا آباؤهم ولا ملوك يهوذا وملأوا هذا الموضع من دم الازكياء 5 وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا اولادهم بالنار محرقات للبعل الذي لم اوص ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي. 6 لذلك ها ايام تأتي يقول الرب ولا يدعى بعد هذا الموضع توفة ولا وادي ابن هنوم بل وادي القتل. 7 وانقض مشورة يهوذا واورشليم في هذا الموضع واجعلهم يسقطون بالسيف امام اعدائهم وبيد طالبي نفوسهم واجعل جثثهم اكلا لطيور السماء ولوحوش الارض. 8 واجعل هذه المدينة للدهش والصفير.كل عابر بها يدهش ويصفر من اجل كل ضرباتها. 9 واطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم فياكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به اعداؤهم وطالبو نفوسهم. 10 ثم تكسر الابريق امام اعين القوم الذين يسيرون معك 11 وتقول لهم.هكذا قال رب الجنود.هكذا اكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد وفي توفة يدفنون حتى لا يكون موضع للدفن.

ومن بعدها تطور هذه الفكرة كاي اسطورة اخرى حيث اختصر الاسم لجهنم وقالوا في فترات لاحقة بالتلمود ان هذا الوادي (جهنم) هو باب تنزل منه الى عالم سفلي يعذب به الخطاؤون ثم اتت المسيحية لنقرا عن يسوع يتحدث عن جهنم في عدة اماكن بوصفها مكان لعذاب الناس الخاطئون وما هذه الافكار الا ارث للميثولوجيا الاغريقية بعد خلطها مع العهد القديم الى ان ورثها الاسلام .
جهنم تعني "جي هانوم" و هي كلمة عبرية تعني وادي هانوم وهو احد اودية القدس و يدعي حاليا وادي الربابة
و هذه صورة لجهنم التي تخافون منها المكان وادي الربابة بالقدس















 كذلك تدعيما لهذا
الكتب التي تبين تلك المعاني 
جاء في كتاب ( قاموس الكتاب المقدس ) :

( هنّوم ) هو ( وادي ومزبلة القدس ، ومن هنا ولدت كلمة جهنم ، حيث البكاء وصرير الأسنان ، وحيث النار البدية والعقاب الدائم للخطاة ) ( ص 1003) .
وجاء في كتاب ( كفارة المسيح ) يقول القس ( عوض سمعان ) : 

( كلمة جنهم مشتقة من كلمة " جي هنوم " أو وادي هنوم الذي كانت تحرق فيه الضحايا البشرية كل يوم قربانا للوثن مولك ، وكانت من لا تصيبه النار من هذه الضحايا يصبح مسرحا للدود ، فاتخذ الوحي اسم " جي هنوم " الذي يعرفه الناس وأطلقه على مكان عذاب الأشرار البدي الذي لا يعرفونه ، وجهنم هي الهاوية ) ( ص 42 ) .
فى الحقيقة الأمر لا يعلم طبوغرافيا موقع " وادي بن هنوم " فيقول البعض انه المنخفض الواقع في الجانب الجنوبى الغربي من اروشليم والمعروف بوادي الربابة ويقول اخرون انه الوادي الاوسط , ويرى غيرهم انه الوادي الشرقي.
لكن ما يهمنا نحن هو ان جهنم التي كانت تهدد اجسامنا و أرواحنا على زعم الديانات ما هي الا مكان قرب القدس (اورشاليم) و الديانات جعلت منها الدرك الأسفل و الحمم و لست ادري !!!
و هكذا اصبحت لنا جهنم و الجنة
اما الجنة سوف اضع مقال مستقبلا عنها فهي مثلها مثل جهنم
الكل على وجه الأرض مجرد قصص كبرت و تكدست عبر الزمن لكي تتراكم و تصبح على ما هي عليه
الأن اصبح الناس يعلمون اشياء اكثر من الذين ادعو انهم أنبياء
لوفرة المعلومات و الكتب و الطريقة السهلة جدا للتوصل الى المعلومات فى ضرف وجيز جدا بواسطة محركات البحث سواء على النت او على الجهاز بواسطة محركات البعث مثلا
هناك برامج يجد لك عدة معانيو كلمات فى ضرف اقل من ثانية
لذا نجد المعلومات متوفرة بكقافة عالية ...
اما فى الماضي كان يتصف عالما من يتوصل الى إمتلاك بعض الكتب و لو وجد بعض الأسرار فسوف يعتلي مرتبة قد توصله الى مرتبة النبوة او الرسل ...
اما الأخريين حتى و ان امتلك كتب لن يكملها الا بعد سنوات
و يجب حفظها حتى يستطيع ان يلقى ما فيها الى الناس ...
أكمل القراءة Résuméabuiyad

ادابا | الانسان الذي فقط الخلود



أدَبا أو آدابا (بالإنكليزية: Adapa)، الإنسان الذي فقد الخلود هي من الأساطير البابلية المتأخرة، ومن ضمن الميثولوجيا السورية، يوجد منها أربع نسخٍ أطولها وجد بين رسائل تل العمارنة في مصر، وهي تعود للقرن الرابع عشر قبل الميلاد. 
 
نص القصة :

... الحكمة قد أعطاه، فصار أمره كأمر إيا، أتم له سِعةَ الفهم ليكشف نُظُم البلاد. لقد منحه الحكمة لكنه لم يمنحه الخلود في تلك الأيام، في تلك السنين خلقه إيا، حكيم اِريدو نموذجًا للبشر... أوامر الحكيم لا أحد يمكن أن يعيبها فهو المقتدر والأحكم بين الأنوناكي والكاهن الذي لا عيب فيه، صاحب اليدين النظيفتين الذي يمسح بالزيت ويحافظ على الطقوس، مع الخبَّازين يخبز مع خبَّازي إريدو يُحَضِرُ الخبز. ويُمَونُ إريدو كل يومٍ بالخبز والماء. بيديه النظيفتين يُرَتِبُ مائدة القرابين. وبدونه لا تُحَضَرُ المائدة يطوف بمركبه ليصطاد حاجة إريدو، وفي تلك الأيام، أدبا رجل إريدو الذي يحضر إلى معبد إيا كل يومٍ أَقلع في قاربه من قُرب رصيف الهلال، الرصيف المقدس وإذا بِريحٍ تنفخ هناك وتقذف قاربه وبالمجداف أخذ يسير قاربه على مياه البحر الواسع نَفَخَ ريح الجنوب فدفعه في قلب الماء. جعله يهبط إلى حيث موطن الأسماك ـ يا ريح الجنوبِ، أَعَلَيَّ تنفث سمومك؟ بل سأكسرُ جناحك وما إن خرجت الكلمة من فيه حتى اِنكسر جناح الريح. ولسبعة أيامٍ لم تنفخ ريح الجنوب على البلاد: نادى آنو على وزيره البرات لماذا لم تنفخ ريح الجنوب على البلاد هذه الأيام السبعة؟، أجابه وزيره البرات: مولاي إن أدبا بن إيا كسر جناحه، صرخ آنو ونهضَ عن عرشه ـ رحمة، فليحضروه إلى هنا ولكن إيا الذي يعرف ما يختص بالسماء جعل أدبا يلبس ثوب الحداد وينكش شعره ـ أدبا، إنك ذاهبٌ لحضرة آنو، الملك وستأخذ طريق السماء عندما تقترب من بوابة آنو تموز وجيزيدا سيكونان هناك، سيسألانك ـ أيها الإنسان، علامَ تظهر هكذا لم أنت لابسٌ ثوب الحداد؟ ـ لقد اِختفى من بلادنا إلهانِ، فعملت هكذا ـ مَنْ الإلهان اللذان اِختفيا من البلاد؟ ـ تَموز وجيزيدا سيرمق الواحد الآخر بنظرةٍ ويبتسم سيقولان عنك ما هو حسنٌ في حضرة آنو وسيريانك وجهيهما الكريم وبينما تقف في حضرة آنو عندما يُقَدمون لك خبز الموت. سوف لا تأكله عندما يقدمون لك ماء الموت. سوف لا تشربه عندما يقدمون لك كسوةً تلبسه، وعندما يعطونك زيتًا، تدهن به جسدك نصحي الذي أُسديك إياه لا تهمل وكلامي الذي قلت، عليه تحافظ وصل رسول آنو وقال ـ يا أدبا، لقد اِنكسر جناح ريح الجنوب أحضره أمامي جعله يتخذ طريق السماء وإلى السماء صعد ولما اِرتفع، اِقترب من بوابة آنو. وأمامها كان يقف الإلهان تموز وجيزيدا لما رأيا أدبا صرخا ـ رحمةً، أيها الرجل لماذا تبدو هكذا؟ ـ أدبا، من أجل من تلبس ثوب الحداد؟ ـ لقد اِختفى إلهان من البلاد فلبسته ـ من يكون الإلهان اللذان اِختفيا؟ ـ تموز وجيزيدا فنظر كلُ واحدٍ منشرحًا واِبتسم: اِقترب أدبا من آنو الملك فناداه ـ تعال يا أدبا، لِمَ كسرت جناح ريح الجنوب؟ ـ مولاي، في وسط البحر كنت أصطاد لسيدي كان البحر كالمرآة لكن ريح الجنوب نفخ عليَّ وكاد يُغرقني كدت أغوص إلى حيث موطن الأسماك وفي غضب قلبي لعنته فتكلم عنه تموز وجيزيدا حسنًا: فهدأ قلب آنو وتساءل ـ لماذا كشفَ إيا لبَشَرِيٍّ فانٍ خطط السماء والأرض؟، لقد أبرزه وجعله ذا اِسمٍ وأما نحن فماذا نعمل به؟. حضروا له خبز الحياة وسيأكله ولما أحضروا له خبز الحياة لم يأكله ولما قدموا له ماء الحياة لم يشربه ولما أُحضرت له كسوةً لبسها. ولما أحضروا له زيتًا، دهن به جسده: سخر آنو وضحك عاليًا على نصيحة إيا ـ من كل آلهة السماء والأرض، مهما كان عددهم، من يُعطي أمرًا كهذا، ليكون أمره فوق أمر آنو وأنت يا أدبا، لماذا لم تأكل ولم تشرب؟. سوف لن تفوز بالحياة الأبدية آه، أيها الجنسُ البشري الفاسد ـ إيا سيدي أمرني أن لا آكل ولا أشرب وأما أدبا فقد نظر من أُفق السماء إلى قبتها فرأى ذلك المنظر المهيب وحكم آنو بإطلاق أدبا من أجل مدينة إيا ـ خذوه كم هنا وألقوا به إلى الأرض وقدر لكهنوته العز على مر الأجيال وأما أدبا اِبن البشر الذي كسر جناح الريح وصعد إلى السماء أيُّ وَيْلٍ جَلَبَهُ للبشرية؟ وأيُّ أمراضٍ أحضرَ لأجساد الناس؟ نينكراك ـ إلهة الشفاء ـ ستخفف منها تنزع المرض وتهون الآلام.

المعنى : 

تروي الأسطورة قصة أدَبا/آدابا، الإنسان العاقل الحكيم الذي كان يُقيم في مدينة إريدو، مدينة إيا إله الحكمة، إله المياه الذي علَّم الإنسان علوم الحياة؛ لكن بخطأٍ من إيا ومن طاعةٍ عمياء من أدَبا مما أدى إلى فقد الإنسان الحياة الخالدة التي أراد أن يمنحها له الإله آنو إله السماء.
وقد ذكر في الأسطورة بأن أدبا الإنسان الذي خلقه الإله إيا ليحكم جنس البشر كان ملكا على مدينة إريدو وفي إحدى الأيام تسببت الريح بوقوع أدبا من قاربه إلى أعماق البحر الأمر الذي جعله يلعن الريح التي أوقعته مما تسبب بتوقف هبوبها الأمر الذي أثار فيما بعد غضب الإله آنو وجعله يقرر قتل أدبا ولكن أدبا وبمساعدة من إيا استطاع أن يدخل إلى حرم الإله آنو الأمر الذي حال دون قتل آنو لأدبا ونتيجة لنصيحة كان قد قدمها له الإله إيا رفض أدبا تناول الطعام الذي قدمه له إياه الإله آنو ظنا منه بأن هذا الطعام هو طعام الموت ومفوتا بذلك على نفسه فرصة الخلود إذ أن الطعام المقدم كان طعام الحياة الأبدية.
أكمل القراءة Résuméabuiyad

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2013

المنطق المألوف

هناك الكثير من المواضيع التي تتناول مفاهيم وأفكار وظواهر غير مألوفة لدينا والتي نعتبرها بأنها غير واقعيَّة أو مجرّدة من المصداقيَّة. إذا اجتمعنا على عدم تصديق فكرة معيّنة أو استبعاد مفهوم معيّن، قد لا تكون المشكلة كامنة في تلك الفكرة أو ذلك المفهوم. يمكن أن تكمن المشكلة فينا نحن. لأننا نعاني من حالة عقلية/نفسية يعرفها المفكرون العصريون بحالة "المنطق المألوف"، يشار إليها باللغة الإنكليزية بـ: CONSENSUS REALITY (الترجمة الحرفيَّة هي: الواقع المُجمع عليه).
عندما يجمع الناس على عدم تصديق حقيقة معيّنة أو استبعاد مفهوم معيّن، يفعلون ذلك لاعتقادهم بعدم واقعية الفكرة أو الظاهرة لأنها منافية لجميع العلوم والمعارف التي تجسَّدت عبر التاريخ الكوني اللامتناهي، مما يجعلها مستحيلة بشكل مطلق. لكن الذي لا يفطنون له هو أن الفكرة أو الظاهرة التي لا يصدِّقونها، يفعلون ذلك لأنها لا تستند على أي أساس علمي أو معرفي نشؤوا عليه بحيث يستطيع تفسيرها أو استيعابها، أي إنها منافية "للمنطق المألوف" الذي نشأ عليه المجتمع والتعاليم التي تربى عليها. أي قد تكون الفكرة صحيحة لكن الخطأ يكمن في المنطق المألوف الذي نشأ عليه المجتمع.

المشكلة الكبرى التي تتجسّد وتتجذّر في المجتمع، بحيث تتفاقم وتصبح مصيبة أو لعنة، هي أننا ننشأ على حقيقة أننا على إلمام تام بكلِّ ما في الوجود. نشأنا على فكرة أن معلمينا وحكمائنا ومثقفينا يعرفون كلَّ شيء ويفقهون بكل شيء. كيف لهم أن يخطئوا؟.. مع أن التاريخ الإنساني الطويل روى كيف أنهم كثيراً ما أخطؤا.. وأخطؤا... وأخطؤا... وأخطؤا.. وصنعوا للشعوب و الجماهير واقعاً مزوّراً.. دام أحياناً مئات السنين... لا يخدم سوى طبقات الصفوة الحاكمة فقط. جميعنا ضحايا "المنطق المألوف.. جميعنا ضحايا توجه فكري وجداني وروحي محدد.. خط مرسوم بعناية ووجب سلوكه والالتزام به بدقة.. وإلا أصبحنا غير منطقيين.. غير عقلانيين.. وغير مقبولين في أوساطنا العلميَّة والاجتماعيَّة والروحيَّة.. إلى آخره.

تعريف "المنطق المألوف" :

يُعرّف "المنطق المألوف" (أو الواقع المُجمع عليه) بأنه كلُّ ما اتفق عليه مجموعة كبيرة من الناس وآمنوا به على أنه يمثل الحقيقة. يتجسد الواقع المألوف عندما يتفق الجميع حول مفاهيم معيّنة، وينسى هؤلاء بأنهم لا يجسدون سوى طريقة محددة في التفكير وليس الواقع بحد ذاته. فالواقع الحقيقي لا يمكن أن يُصنع لأنه موجود أساساً.. وطريقة النظر إليه هي التي تُصنع فقط. حتى لو شاركنا الآخرين في المفاهيم ذاتها والاعتقادات ذاتها هذا لا يعني أن المفاهيم والاعتقادات هي صحيحة، بل يمكن أن يعني أننا نشاركهم بالأوهام ذاتها وليس من الضرورة أن تكون حقائق ثابتة.

جميعنا مخدوعين بالواقع الذي نراه... بكل مفاهيمه و قوانينه و مظاهره... نحن لا نعرف أننا نعيش في عالم وهمي غير حقيقي.. لأن المفاهيم التي نستند عليها في النظر إليه هي مفاهيم وهمية غير صحيحة.. والسبب الذي جعلها تبدو حقيقية هو أن الجميع يشاركنا بنفس المفاهيم ويتفق معنا على أنها حقيقية. وجب الانتباه إلى نقطة مهمة هي أنني لا أستهدف أي طريقة تفكير بعينها.. ولا أحاول الإنتقاد أو التقليل من شأن هذا الموضوع (المنطق المألوف) حيث إن صناعة المسلمات الفكريَّة هي عملية أو حرفة تدخل في تركيبة الكائن البشري منذ الأزل، ووجودها ضروري من أجل صنع نماذج فكرية معيّنة تساعد على تماسك المجتمع. لذلك فصناعة المسلمات هي ليست ضرورية فقط، بل هي موجودة لتبقى طالما بقي الكائن البشري يعيش في مجموعات ومجتمعات اعتمد أفرادها على بعضهم البعض من أجل البقاء.

فبما أن "المنطق المألوف" (الواقع المُجمع عليه) له تأثير مباشر على الفرد وطريقة تفكيره، يعمل بالتالي على تعزيز مجموعة من النشاطات عنده (كالإيمان بوجود رقيب إلهي يعاقبه على خطاياه فيجتهد نحو عمل الخير مع أنه قد يكون في الحقيقة إنساناً شريراً، وهذا مظهر إيجابي للمنطق المألوف). لكن بنفس الوقت يمكن لهذا الواقع المألوف أن يمنع أو يعيق ظهور نشاطات كثيرة أخرى كالإبداع في مجالات معيّنة يعتبرها الواقع المألوف أنها مستحيلة. والأمثلة كثيرة: في القرن التاسع عشر كان الطيران يعتبر مستحيلاً.. لكن بعد أن كسر الأخوين رايت حواجز هذا الواقع المألوف أصبح مقبولاً بين المفاهيم العلميَّة (رغم المقاومة الشرسة في البداية).. ولم يمضِ سنوات قليلة على كسر هذا الحاجز الوهمي حتى راح مجال الطيران يتطوَّر بسرعة كبيرة، فحلقت الطائرات النفاثة في السماء ثم خرقت الصواريخ المجال الجوي ناقلة الإنسان إلى الفضاء! حصل ذلك في فترة وجيزة لا تتعدى الخمسين عاماً! ولولا كسر حاجز الواقع المألوف (المنطق الذي كان يحكم الناس ورجال العلم) لما حصل هذا التطور الهائل والسريع. والحال ذاته مع مجالات كثيرة أخرى. نحن مثلاً، أبناء القرن الواحد والعشرين، اعتدنا على التعامل مع الأقراص الليزرية وآلات التسجيل والأجهزة الصوتية ونشأنا في واقع مألوف يقبل بهذه الأجهزة.. لكننا لم نحاول التفكير يوما في مدى المقاومة الشرسة التي واجهها توماس أديسون عندما أخترع آلة الغرامافون (أوّل جهاز صوتي في التاريخ). تصوّروا أن العلماء في تلك الفترة اعتبروا هذا الجهاز من إحدى مظاهر الشعوذة! كيف يمكن لآلة أن تتكلم وتصدر أصواتاً؟! شكَّل اختراع أديسون صدمة كبيرة للمنطق المألوف في تلك الفترة. وكذلك ماركوني الذي اخترع اللاسلكي، وغراهام بل الذي ابتكر الهاتف وكولومبوس الذي اجتاز المحيط الأطلسي وأثبت بشكل جازم كروية الأرض.. و القائمة طويلة جداً جداً.. جميع هؤلاء تمردوا على المنطق المألوف وحققوا إنجازات هائلة لا يمكن تصور مدى تأثيرها على مسيرة التاريخ الإنساني. إذاً، بعد الإطلاع على ما سبق، يمكننا بالتالي القول:

" إذا واجهنا مفاهيم غريبة علينا وقررنا عدم تصديقها أو استبعاد حقيقة وجودها، هذا لا يعني أن قرارنا هو صحيح، بل السبب قد يكون أننا تحت تأثير ( المنطق المألوف ).. "

يعود سبب استمرارية "المنطق المألوف" ورسوخ مفاهيمه ومسلماته عبر الأجيال المتعاقبة إلى عوامل كثيرة أهمها: التعليم، التكيّف، الإقناع، الدعاية، التحريم والتحليل وغيرها من وسائل تسويق و حقن للمعلومات والمعتقدات والأفكار تتبعها السلطات الاجتماعية والعلمية السائدة. قد يسيء البعض الفهم أو يخلط بين "العقليات" (المذاهب الفكرية) وبين "المنطق المألوف" مع أن الفرق بينهما كبير. فالمذهب الفكري (أو العقلية) هو حالة تتجلى بأن أكثرية الناس يواجهون صعوبة في التفكير بنفسهم ولنفسهم، فينخرطون في مذاهب فكرية معيّنة ويذهبون إلى تقليد بعضهم البعض في طريقة تفكير محددة تم وضعها من قبل جهة أو سلطة فكرية معيّنة، دون النظر بمدى مصداقيتها.

فالفرق بين "المذهب الفكري" وبين "الواقع المألوف" هو أن الإنسان إذا كان متحرراً فكرياً وبالتالي له حرية الاختيار، يستطيع الخلاص من قيود المذهب الفكري.. لكنه لا يستطيع التحرر من قيود المنطق المألوف. لأنه بكل بساطة، يتحدث و يقرأ اللغة التي تتمحور حول هذا الواقع المألوف. وطالما أنه ملتزم باستخدام هذه اللغة فهو بالتالي لازال يشارك فعلياً في تكريس هذا النموذج المألوف. فاللغة المتداولة، بكل مصطلحاتها وصورها البيانية والمجازية، وتعابيرها ومواضيعها، تعتبر من أهم عوامل بقاء المنطق المألوف. فعندما يتعلم أحدهم اللغة، يتعلم بالتالي المصطلحات بالإضافة إلى المعاني التي تشير إليها هذه المصطلحات، و جميعها بالتالي تتمحور حول المفاهيم التي تشكل الواقع المألوف.

المنطق المألوف والحالة النفسية :

نلاحظ أحياناً أنّ النّفور أو المقاومة التي يبديها الإنسان تجاه الأفكار الجديدة هي عملية لا واعية خارجة عن إرادته. وسبب هذا لا يعود لعوامل اجتماعيّة أو فكريّة فحسب، بل يبدو أنّه هناك عامل نفسي أيضاً.. والسّبب هو أنّ للعقل قسم خفي أسماه علماء النّفس بالعقل الباطن وهو مخزون تجاربنا اليوميّة التي تتكرّر يوميّاً، وهو المسؤول أيضاً عن بعض الأفعال اللاإراديّة (الأوتوماتيكيّة). لكنّه بنفس الوقت يعمل كرقيب، يمنع الأفكار غير المألوفة من الدخول إلى مخزونه ألمعلوماتي الذي يختزن أفكار مبرمجة منذ الطفولة. فلا يمكن أن نستوعب فكرة معيّنة إلا إذا توافقت مع ما هو مبرمج مسبقاً في عقلنا الباطن. فهناك حاجز غير ملموس في ذهننا يسمّونه "حاجز العقل" أو "العقليّة النّاقدة" أو "الحاجز الحرج" Critical Faculty، ولا يمكن للأفكار الجديدة أن تخترقه بسهولة.

عندما يولد الطّفل، يكون هذا الحاجز غير موجود تقريباً، فيقوم الطّفل خلال نموّه مع الأيّام بامتصاص جميع الانطباعات والمعلومات المحيطة به كقطعة الإسفنج، كلّ شيء يكون مقبولاً لديه، فيسجّله العقل الباطن، وهذا هو السّبب الذي يُمكِّن الطفل من تعلّم كل ما استحوذ على اهتمامه بسرعة وسهولة كبيرة. لكن خلال خوض هؤلاء الأطفال في مرحلة التعلّم، واستيعاب المعلومات المختلفة من محيطهم، يكون "الحاجز" الذي تكلّمنا عنه في حالة نمو تلقائي. و في سنّ السّابعة تقريباً يكون هذا الحاجز قد اكتمل نموّه، فبينما يُكمِل الطفل بعدها مسيرته في التعلّم والتعرّض لكميّات كبيرة من المعلومات والمفاهيم والعادات وغيرها، يبدأ حينها بعمليّة التّصفيّة، أي يتقبّل منها فقط المفاهيم والمعلومات التي سبق وتقبّلها قبل اكتمال "الحاجز الحرج"، أما المعلومات الأخرى فيرفضها تماماً.

المشكلة تكمن في الاعتياد على نظرة محدّدة للحياة، و هو السبب في عدم استطاعة الأشخاص البالغين، بجميع مستوياتهم العلميّة والثقافيّة، استيعاب المفاهيم الغريبة عن أعرافهم و معارفهم التّقليديّة. يمكن أنْ نشبِّه دماغ الإنسان في هذه الحالة كجهاز الكمبيوتر، وعقله هو البرنامج الذي زُوِّد به هذا الجهاز، فمهما كانت درجة الذّكاء والوعي الذي اتصف به هذا الإنسان لا يمكنه تجاوز حدود هذا البرنامج الذي زوّد به. وإذا كان هذا البرنامج يحتوي على معطيات خاطئة سوف يخرج الكمبيوتر دائماً بأجوبة خاطئة.. فالمشكلة ليست بالكمبيوتر وقدرته الهائلة على معالجة المعلومات، بل بالبرنامج الذي زوّد به.

إذا افترضنا أنَّ هناك مجتمع مثلاً، يتعلّم فيه الطّفل الصّغير من والديه الحنونين بأنَّ 2+2=3، ويتعلّم هذه المعادلة ذاتها في المدرسة، من الحضانة مروراً بالابتدائيّة ثم الثّانويّة إلى أن يصل إلى الجّامعة حيث يسمع البروفيسور المرموق ذات الثقّافة العالية يصرّ على أن 2+2=3، ويسمعها في أجهزة الإعلام، في الراديو والتلفاز والصّحف وغيرها، والقانون النّافذ في هذا المجتمع يعتمد على هذه المعادلة ويدعمها، فليس مستغرباً إذا رأينا في هذا المجتمع أشخاص نافذين يحتلون مناصب عالية، علميّة سياسيّة اجتماعيّة، يعتقدون بكلِّ جديّة بأنِّ 2+2=3! ويعتبرونها حقيقة مُسلَّم بها، و يقرّون سياساتهم على هذا الأساس!

إن كل المجموعات البشرية، بمختلف مذاهبها الفكرية والاعتقادية... تتميّز حسب انتماءاتها بعقليات وطرق تفكير ومعتقدات خاصة بها، وبالتالي، إلى أنواع متفاوتة من المنطق المألوف... فالمنطق عند كل مجموعة بشرية، تم قولبته ضمن صيغة معيّنة تعتمد على نظرتها الخاصة تجاه الحياة. إن عملية قولبة الوعي البشري تشبه تماماً وضع قطعة عجين في قالب. قطعة العجين تمثّل الوعي، والقالب يمثّل العقلية وطريقة التفكير. فشكل القالب الذي نختاره هو الذي يحدد شكل العجينة. وهذا ينطبق على الوعي. فالمنطق أو العقلية التي نختارها خلال خوض معترك الحياة هي التي تحدد طريقة إدراكنا التي تعمل بالتالي على تكوين نوعية قراراتنا، وأفعالنا، وخبراتنا، وأنظمتنا الاجتماعية، وعالمنا، ومستقبلنا.

إن نوع المنطق، أو النموذج الذي نتبعه على المستوى الشخصي أو الاجتماعي، هو كما نوع البرنامج الذي نزوّد به الكمبيوتر. فالمجتمع بجميع عناصره (العائلة، المدرسة، مكان العمل، بيوت العبادة، الحكومات، العادات والتقاليد، التراث،..) يعتمد على منطق أو نموذج واحد في العيش (التفكير والسلوك ورؤية الأمور)، كما البرنامج الذي زوّد به الكمبيوتر. إذا كان هذا البرنامج صحيحاً وينجز وظيفته بشكل جيد، سوف لن نرى عيوباً ولا أعطال في أدائه. لكن إذا كان هذا البرنامج مليء بالفجوات والأخطاء والعيوب في نظامه، فسوف لن يعمل بشكل سليم وسوف تتشابك معطياته المعلوماتية وتخرج بقرارات ونتائج خاطئة، وقد يتوقّف الكمبيوتر عن العمل في يوم من الأيام.

معظمنا لازال مؤمناً بأن هذا النموذج المعيشي الذي يحكم المجتمعات هو النموذج الوحيد. المنطق الوحيد الذي لا بديل له. لا يوجد نموذج آخر. هذا هو العالم الذي وجدنا أنفسنا فيه... هكذا كان عندما جئنا إلى هذه الحياة.. وهكذا وجدنا الإنسانية.. وهكذا كانت.. وسوف يبقى الوضع كما هو، لأنه خلق ليكون كما هو.. فبالتالي، هذه هي الحالة الطبيعية للحياة، ولا يوجد حالة أفضل أو أسوأ.. بديلة لها. لكننا نتجاهل (أو نجهل) حقيقة ثابتة فرضت نفسها عبر التاريخ. هذه الحقيقة تقول:

" إن نوع المنطق الذي يحكم عقولنا هو الذي يحدد نوع العالم الذي نراه "

فكل الشعوب التي عاشت على هذه الأرض، في فترات متعاقبة، وعصور مختلفة، كانت ترى في زمانها أنها توصلت إلى الحقيقة، ولا يوجد حقيقة أخرى غيرها، و تسلّم بأنها الحقيقة المطلقة، وتعيش وتتصرّف وتنظر إلى مظاهر الوجود على هذا الأساس. فرجال العلم (الكهنة) الذين عاشوا في العصور الغابرة، نظروا إلى الوجود بالاعتماد على منطقهم العلمي السائد في أيامهم، وظنوا أنهم يشاهدون الحقيقة بموضوعية، ورأوا أنها الحقيقة المطلقة. ورجال العلم في بدايات عصر التنويري توصّلوا إلى مظهر جديد للوجود باعتمادهم على منطقهم الجديد واكتشافاتهم الجديدة، وظنوا أنهم ينظرون إلى الحقيقة المجرّدة، وهي الحقيقة المطلقة. أما رجال العلم الحديث، منذ بدايات القرن الماضي، فقد توصلوا إلى حقيقة جديدة، بعد أن بحثوا في مظاهر الوجود على المستوى الكمي (الجزيئي)، وشاهدوا عالم أخر مختلف، يتناقض تماماً مع نظرة العلم التقليدي.

فالواقع المحيط بنا لا يتغيّر، إن المنطق الذي نعتمد عليه في النظر إلى الواقع هو الذي يتغيّر... القالب هو الذي يتغيّر.. وبالتالي، شكل العجينة. وعينا هو الذي يتغيّر، وليس الواقع المحيط ولا الحياة ومظاهرها المختلفة. إذاً، فالكلام عن "حياة ثابتة، لا يمكن تغييرها، لأننا وجدناها كما هي"، هو كلام خاطئ لا أساس له. لأن هذا الواقع ليس أمر ثابت مسلّم به، بل يوجد أمامنا خيارات. إن عملية تغيير طريقة تفكيرنا هي التي تغير شكل الواقع، وسوف يبدو لنا هذا الواقع حسب طريقة تفكيرنا والمنطق الذي يحكم عقولنا. يقول "توماس كون" في كتابه: "تركيبة الثورات العلمية و بنيتها، 1962م":

" .. عندما يبدل العلماء منطقهم العلمي السائد بمنطق علمي جديد، يجدون أنفسهم يعيشون في عالم جديد يختلف عن العالم الذي عايشوه في الفترات السابقة... يختلف تماماً.. ويجدون أن القوانين العلمية القديمة لم تعد تستطيع العمل في هذا العالم الجديد. والمدهش في الأمر هو أن الذي كان يعتبر مستحيلاً، يصبح ممكناً ويتحوّل بعدها إلى أمر طبيعي ومألوف.".

هذا يعني أننا إذا قمنا بتغيير المنطق الذي يحكمنا سوف نجد أن أموراً كثيرة كانت غريبة علينا، وحتى مستحيلة، تصبح مألوفة وطبيعية. فالمنطق المادي الدنيوي الذي يحكمنا اليوم مثلاً، هو الذي يحدّ من محاولة اكتشاف الإنسان لنفسه، وقدراته، وجوهره الحقيقي لأن هذه الطريقة في التفكير تتناقض تماماً مع المنطق الدنيوي السائد، والذي استولى على العقول منذ آلاف السنين. وظهر مؤخراً منطق آخر يدعمه ويثبّت من وطأته، وهو المنطق المادي (العلماني) الذي جعل الإنسان يؤمن بأنه كائن ضعيف محدود القدرات، وأي كلام غير هذا هو مناقض تماماً للقوانين العلمية السائدة التي أصبحت مسلمات لا يمكن تجاوزها أبداً. هذا هو السبب الذي جعلنا نبدو كما نحن، كائنات مغفّلة ذات عقول مفرغة، مع أن هذه ليست الحقيقة.

قد تكون المعلومات الواردة في هذا الموقع غريبة على الكثيرين، حتى المتعلمين، ليس لأنها غير واقعيّة بل لأنّها فوق علميّة وخارجة عن المنطق المألوف. وهذا يجعله من الصّعب استيعابها أو تقبلها في البداية. وطالما تحدّث العلماء والباحثون في هذا المجال عن "عتبة التردّد" أي الحدّ الفكري الأقصى الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان في تجاوز حدود معتقداته التي نشأ عليها. ذلك الخطّ الأحمر الذي تمنعنا معتقداتنا من تجاوزه.

لكن يجب أن نتذكّر أنّه ليس كلّ معلومة منافية لمعتقداتنا هي معلومة خاطئة أو غير واقعيّة. حيث يمكنها أن تفرض نفسها على الواقع مستقبلاً وتصبح حقيقة ثابتة لا يمكن نفيها. تذكّروا أنه في إحدى فترات التّاريخ سخر العلماء و رجال العلم من "غالفاني" مكتشف الكهرباء، وسخروا من "جون لوغارد" عندما تحدّث عن التّلفزيون، وسخروا من الذين تحدّثوا عن الأقمار الصناعية! و تبيّن فيما بعد أن هؤلاء العلماء السّاخرون الذين كانوا على رأس السّلطة الأكاديمية في تلك الفترات قد أخطؤا تماماً! وكان خطؤهم فادحاً دفعت ثمنه الشّعوب غالياً. ويجب أنْ نتذكّر أنَّ فكرة كوبرنيكوس عن دوران الأرض حول الشّمس كانت بعيدة عن المنطق المألوف، وفكرة الطيران كانت بعيدة عن المنطق المألوف، وعمليّة طوفان أطنان من الحديد فوق سطح الماء هي فكرة خارجة عن المألوف، لكنها أصبحت فيما بعد واقع حقيقي تتعايش معه الشّعوب.

والسؤال الكبير هو:

- هل نحن محضرون لتقبّل واستيعاب المفاهيم الغريبة عنا؟
- هل نحن مستعدّون للتعامل مع حقائق مناقضة للمنطق المألوف الذي يحكم عقولنا؟

المنطق المنتصر :

لكل كيان أو منظمة أو إمبراطورية (فكرية، روحية، صناعية، تجارية، أو سياسية) نشأت وازدهرت عبر الزمن، يوجد لها تاريخ. ودائماً يكون هذا التاريخ أسود... مع الكثير الكثير من وشحات الدم والدموع. ويعتمد مدى ازدهار هذه الإمبراطورية وقوتها وعظمتها على عدد ضحاياها ومساحة انتشارها وكمية الدمار والخسائر التي خلفتها في هذا السبيل. هذه معادلة ثابتة علمنا إياها التاريخ. فالسياسة السلمية والمعاملة العادلة والشريفة والنزيهة... إلى أخره، لا يمكنها صنع إمبراطوريات، بل مصيرها الحتمي هو الهزيمة من أوّل جولة. وخلال قراءتك في تاريخ إحدى الإمبراطوريات، وجب أن تجد الكثير من العوامل مثل المكر والخديعة والظلم والاستبداد والمجازر والدمار والإبادة... إلى أخره. وإن لم تجد هذه العوامل، هذا يعني أن التاريخ الذي نقرأه هو مزّور. تذكر أن تزوير التاريخ أيضاً هو سياسة. فلا بدّ من مسح الدماء ومحو الآثار بعد الجريمة، لأن مرحلة التخلص من العقبات قد انتهت وبدأت مرحلة إبراز الذات بصورة جميلة، رقيقة، لكي تحكم العواطف والقلوب ثم السيطرة على العقول للتوصّل إلى المآرب المنشودة بطريقة سلسة، خسيسة، وسهلة.

ولكي تحافظ الإمبراطورية على بقائها وتماسكها، وجب أن تجتمع عدة عوامل مهمة وأساسية هي: إيجاد مبررات لوجودها، مذهب فكري يلتزم به الرعايا، ذلك بهدف إخضاعهم تماماً وتوحيدهم حول محور واحد هو السلطة المركزية من اجل سهولة توجيههم حسب الرغبة (و هذا يحتّم وجود طبقة كهنوتية تنظّر لهذا المذهب الفكري وتعمل على ترسيخه)، اقتصاد قوى يؤمن التمويل اللازم للمحافظة على بقائها، مناطق نفوذ (مستعمرات) من اجل امتصاص طاقاتها (كلما زادت مناطق النفود زادت الطاقة المتجمّعة في رأس هرم الإمبراطورية).

لكن العامل الأهم الذي لم يُطرح بشكل مُفصّل في هذا المضمار هو أن هذه الإمبراطورية يعتمد تماسكها وقوتها على مدى ترسيخ الأيديولوجيا التي تبرّر وجودها بين رعاياها. لقد تنبّه القُدماء لهذه النقطة المهمة منذ الزمن الأوّل. فالتاريخ الرسمي الذي نقرأه لا يلقي الضوء على هذه النقطة أبداً، بحيث أن كل ما نتعلمه عن الصراعات التي دارت بين دول وممالك العالم القديم كانت صراعات بين الخير والشرّ، المؤمنين والملحدين، الظلاميين والمتنورين... وهذا طبعاً هو خطأ كبير وجب التنبه له. إذا دققنا في تفاصيل الغزوات والفتوحات التي تشنها دولة على دولة أخرى، سنلاحظ حقيقة واضحة وضوح الشمس، كان يجري قمع منظّم ومنهجي للعلوم والمعارف القائمة في تلك البلاد المهزومة بحيث ليس هناك أي تساهل أو تسامح بخصوص هذا الأمر.

هذه الحقيقة لم تُذكر أبداً في التاريخ الذي تلقيناه. أو إذا ذُكرت، فستبدو مجرّد أحداث متفرّقة هنا وهناك دون أي رابط يجمع بينها. فبعد كل احتلال أو غزوة موفّقة (مدعومة من المسيطرين القابعين في الخفاء) كانت المكتبات أوّل ما يتم استهدافه بالإضافة إلى المجتمع العلمي القائم في البلاد والذي كان يُباد بالكامل. لماذا؟ ما هو القصد من هذا العمل؟ السبب هو القضاء على الثقافة القائمة لاستبدالها بثقافة المحتلّ (المزوّرة)، حيث أن هذه السياسة كانت سائدة وعرف القدماء جيداً أنها مجدية بشكل كبير. فالثقافة التي يفرضها المحتل بين الشعوب الخاضعة للاحتلال ستفرّخ أجيالاً من الموالين له بشكل أعمى، وهذا سيوفّر عليهم استنزاف جهود كبيرة في عمليات القمع والإرضاخ للمعارضات الواسعة التي لا بد من أن تنتفض بين فترة وأخرى. طبعاً، فسياسة استبدال الثقافة هذه والمألوفة جيداً عند الغزاة، تُستغلّ من قبل المتآمرين، الداعمين أصلاً لؤلئك الغزاة، بهدف تدمير الثقافة القديمة.

يقال أن الاسكندر هو الذي بنى مكتبة الاسكندرية، والتي اعتبرت في حينها منارة للعلوم والثقافة المتطورة. لكن ربما نجهل أن الاسكندر هو ذاته الذي دمّر مكتبة بيريسبوليس في بلاد فارس بالإضافة إلى الكثير من هذه المؤسسات الثقافية في الهند وأفغانستان وسوريا الكبرى. نستنتج من ذلك أن الاسكندر، من خلال بناؤه للمكتبة، كان في الحقيقة يبني مؤسسة ثقافية تكرّس الثقافة اليونانية على حساب ثقافات محلية قديمة. والأمر الذي لا شكّ فيه هو أن تلك الثقافات القديمة التي طمسها الاسكندر كانت أكثر تطوراً ورخاءً. أعتقد أن البعد الزمني الطويل الذي ننظر من خلاله إلى التاريخ البعيد يعمل عمل الغشاوة القاتمة التي تمنعنا من معرفة الحقيقة. فمكتبة الإسكندرية التي أنشأها الاسكندر، لازلنا اليوم نظن بأنها مثّلت منارة آخر ما توصّلت إليه العلوم في تلك الفترة، ونشعر بالامتنان له بسبب هذا العمل النبيل. لكن لم يفطن أحد إلى حقيقة أن تلك المكتبة التي بناها الاسكندر كانت بالنسبة لمن عايش فترة حكمه تندرج ضمن عملية ممنهجة لتدمير الثقافة العلمية القائمة في ذلك الوقت ومحاولة تكريس ثقافة أخرى متدنية تقضي على الثقافة السائدة لصالح المحتلين. ويجب أن نتذكّر بأنه ليس من صالح أي مستعمر أو محتل أن ينشر ثقافة متنورة في البلاد الخاضعة تحت سيطرته. أعتقد أن ما فعله الاسكندر بالشعوب التي غزاها هو ذاته ما فعله الأسبان خلال فتحهم لأمريكا الجنوبية، وكذلك معاملة الأوروبيين بشكل عام للهنود الحمرفي أمريكا الشمالية. وليس هناك من بقي على قيد الحياة من معارضيه لكي يقول الحقيقة. وكما هي الحال مع أمريكا الجنوبية التي أصبحت ثقافتها، الرسمية على الأقل، تمجّد كولومبوس واكتشافه لتلك القارة المسكينة بدلاً من لعنته ألف مرة (كما يفعل البعض من غير الرسميين)، أعتقد أن الثقافة التي خلفها الاسكندر في البلاد التي احتلها هي السبب الرئيسي وراء تمجيد هذا الرجل الطاغية وتأليهه، لأنه بكل بساطة لم يبقى هناك أي ثقافة معارِضة له حيث تم سحقها بالكامل. دعونا نلقي نظرة على عيّنة صغيرة جداً من المكتبات التي لقيت حتفها عبر التاريخ: حرق المكتبات....

بعد التعرّف على هذه الحقيقة، ربما أصبحنا نعرف الآن لماذا أُحرقت كل تلك المكتبات بكل ذلك المخزون الهائل من العلوم والمعارف! لماذا راح الأوروبيون الواقعون تحت السيطرة المباشرة لهذه الشبكة العالمية المتآمرة إلى أستراليا وأفريقيا وإلى أمريكا الجنوبية والشمالية والوسطى والصين ودمّروا العلوم القديمة، ودمروا المعارف والتقاليد العريقة بحجة القضاء على الوثنية... لقد دمّروا.. بكل ما عندهم من عزيمة.. كل ما طالته أيديهم.. التاريخ الذي يعود لهذه الشعوب! لماذا ساد تقليد حرق الساحرات لقرون طويلة من الزمن في كل من أوروبا والعالم الجديد؟.. لماذا صدرت فتاوى وتشريعات لملاحقة وقتل علماء الخيميا (وليس الكيمياء) حتى انقرضوا تماماً من الساحة العلمية.. وحرّموا علوم أخرى متطورة لدرجة أننا، وبعد عدة أجيال، أصبحنا نظنها سحرية بسبب عدم استيعابنا لها واعتبرناها ضرباً من ضروب الشعوذة.. السبب هو أنهم أرادوا امتصاص كل تلك العلوم إلى خارج التداول الشعبي، وإبقاء الشعوب في جهل مطبق عن ما كان يجري بالضبط في الماضي، وبالتالي ما يجري حالياً، بالإضافة إلى حقيقة العظمة التي نتمتع بها ككائنات على هذا الكوكب وطبيعة الحياة وروعتها.

يبدو أن هناك الكثير من الأهداف والغاية الكامنة وراء نشر وترسيخ منطق أيديولوجي معيّن بين مجموعة بشرية معيّنة ..

الخلاصة :

إذاً، فكل ما نعتقده ونؤمن به ومقتنعين بحقيقته هو عبارة عن منطق معيّن تم ترسيخه من قبل جهات لها مصلحة في قيامه ورسوخه. هذا المنطق الذي نؤمن به لم يسوغه حكماء ولا فلاسفة أو عباقرة متنورين يرغبون في إصلاح الأمور. لقد فُرض علينا قسراً بالدماء والدموع والألم الشديد. والجهة الأشرس والأكثر قسوة واستبداداً هي التي تغلب دائماً. والسبب وراء رسوخها قد لا يكون مصداقيتها، بل القوة والشدّة التي يُعاملون بها كل من حاول أن يجد منطقاً بديلاً.

أكمل القراءة Résuméabuiyad

جميع الحقوق محفوظة عرب سوفت ©2012-2013 |تطوير عرب تكنولوجى | سياسة الخصوصية